معدلات الرواتب في الاردن ما زالت متدنية عن غيرها من الدخل الوظيفي في بعض الدول العربية المماثلة في القطاعين العام والخاص على السواء مع استثناءات محدودة لذوي النفوذ والمحظوظين في المراكز المتقدمة, ولعل ابلغ دليل على ذلك ان التقديرات الرسمية تشير الى ان حوالي سبعين بالمئة منها تدور حول الثلاثمئة دينار شهريا نقصانا او زيادة, في الوقت الذي تنعم فيه فئة لا يمكن القياس عليها بآلاف الدنانير لانها تظل خارج السياق العام الذي ينطبق على الجميع!
ما كشفته نتائج دراسة مؤشرات ثقة المستهلك التي اجراها “بيت كوم” اكبر موقع توظيف في الشرق الاوسط تؤكد هذه الحقيقة, من خلال اعلانها ان 74% من الموظفين العاملين في الاردن يعتقدون ان رواتبهم لم تواكب غلاء المعيشة, في حين يرى 56% من هؤلاء ان تعويضاتهم غير كافية من ناحية الزيادات التي طرأت عليها او اية حوافز نالوها مؤخرا, حتى انهم صرحوا بوضوح ان هذا وقت غير ملائم مثلا لشراء السلع الاستهلاكية المعمرة وان مناخات وظروف العمل تحيطها السلبية من كل اتجاه.
يتماشى ذلك تماما مع احدث الارقام التي اعلنتها دائرة الاحصاءات العامة مؤخرا عن بيانات مسح نفقات ودخل الاسرة الاردنية لعام 2010م, حيث ارتفع بموجبها خط الفقر العام للفرد سنويا ليتجاوز ثمانمئة دينار عام 2008م مما اسهم في ارتفاع نسبته الى ما يتجاوز 14% مما كان عليه في ذلك الحين والذي بلغ 13.3% اي انه في تقدم مستمر رغم كل محاولات مكافحته, واذا ما اخذنا في الاعتبار مستوى الرواتب لغالبية الموظفين فانهم يندرجون حتما في عداد الفقراء, ما دام متوسط الدخل السنوي للاسرة خلال الفترة ذاتها في الاردن قد وصل الى ثمانية آلاف وثمانمئة واربعة وعشرين دينارا تقريبا وهذا ما لا يرقى اليه دخل معظم المواطنين.
هذه الحقائق تشير بوضوح الى ان التعديلات التي طرأت على الرواتب بموجب اعادة الهيكلة لموظفي الجهاز الحكومي واية زيادات تزامنت معها للعاملين في القطاع الخاص, لم تغير من الواقع شيئا بشأن الفارق الذي ما زال يتسع يوما بعد آخر بين معدلات الدخل المالي والارتفاعات المتواصلة في تكاليف المعيشة والاتجاه التصاعدي للتضخم الذي يصل الى حوالي ستة بالمئة سنويا, حتى ان الأرقام الإحصائية أظهرت أيضا أن المواطنين يعتمدون على مصادر اخرى لدعم دخلهم, حيث ان 43.5% من متوسط الدخل الجاري للاسرة الاردنية يتأتى من دخل الاستخدام الذي يبلغ 3842.8 دينار و1341.6 دينار من دخل العاملين لحسابهم الخاص و1567.7 دينار من دخل الايجارات و160.8 دينار من الملكية الخاصة و1910.6 دينار هي عبارة عن تحويلات خارجية.
هذه المعطيات الرقمية الحديثة تدل بما لا يقبل الشك على ان معدلات الرواتب العامة والخاصة اجمالا لا تتواكب مع مستوى الارتفاعات المتواصلة على تكاليف المعيشة في الاردن, مما يفترض معه ان يدعو الحكومة الى التريث في اعلان اية حزم جديدة من الاجراءات الهادفة الى رفع الدعم ومعالجة العجز القياسي في الموازنة العامة, اذا ما كان لها اية انعكاسات على تعميق الفجوة بين الدخل المحدود والمتطلبات المعيشية المتزايدة, وعليها على الاقل ان تنتظر ما هي النتائج الفعلية للوجبة الاولى من قراراتها في هذا الاتجاه على ارض الواقع.(العرب اليوم)
