على الحكومة أن تتعامل مع الاحتجاجات الشعبية كفكرة وليست أرقاماً مجردة
بدأت الصورة بالاتضاح أكثر فأكثر في حراكات الشوارع المستمرة منذ حوالي السنتين. فقد أصبح الإجماع الشعبي واضحاً على المطالب المعيشية ، خاصة تخفيض الدعم عن بعض المواد والخدمات وما ينتج عنها من أضرار في مصالح الفئات الشعبية.
والملاحظة الثانية هي تراجع الشعارات السياسية وزخم الخروج الأسبوعي “الحزبي”. بعبارة أخرى فان الأهداف السياسية على أهميتها لم تعد جاذبة للأردنيين الذين باتوا يطالبون بتحسين ظروفهم المعيشية وعدم الإضرار بمصالحهم اليومية.
قد تكون الأحداث في المنطقة خدمت الأردن شعبا ونظاما، وأفادت الأردنيين الذين صحوا على ما جرى حولهم لأخذ العبرة من تجارب الآخرين. فبدل الاستمرار في التصعيد بحثاً عن الفوضى التي لا يحصد ثمارها إلا فئات محددة، أصبحوا أكثر وعياً ونضوجاً في السير نحو الدفاع عن مصالحهم.
كانت مسيرات الجمعة الماضية في عمّان والمحافظات تخرج تحت شعار “لا لرفع الأسعار” وتحذير الحكومة من أي قرارات تمس الفئات الفقيرة والمتوسطة والضغط على الحكومة في محاولة لمنعها من اتخاذ قرارات في هذا الاتجاه.
وقد أجمعت الحراكات على إن الحل أمام الحكومة للسيطرة على العجز في الموازنة العامة هو محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة وفرض سياسات آمنة للصرف وضبط الإنفاق وعدم الرضوخ لمطالب المؤسسات الدولية المانحة أو الأجندات الدولية الضاغطة على الأردن للتورط في هذه القضية أو تلك.
لنعترف بداية أن السياسات الاقتصادية والسياسية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة أوصلتنا بفشلها إلى ما نحن عليه اليوم، زد على ذلك تراجع ثقة الأردنيين بحكوماتهم ومؤسساتهم الوطنية. فرغم إعلان الحكومة تخفيض الدعم عن المحروقات والكهرباء، إلا أنه لا أحد يقتنع أن الأمر يأتي بسبب الارتفاع في الأسعار العالمية، بل إن المقصود فرض ضرائب جديدة من اجل معالجة العجز في الموازنة العامة.
لا شك أن أسهل المواقف أن يقف الفرد أو الجماعة في صف المعارضة لسياسات الحكومة، لان الحكومات لا يحبها أحد، والعداء للسلطة (أينما كانت) هو عداء مترسخ في الطبيعة البشرية، لكن ما يخفف ذلك سلوك السلطات وقدرتها على الاقتراب من مصالح الناس.
ولا يقلل تركيز الناس على مصالحهم المعيشية من أهمية الجانب السياسي لحياتهم، لأنه لا معنى للربيع العربي إذا لم يفتح الباب لقيام دول عربية ديمقراطية تخرج فيها الأغلبية من صناديق الاقتراع. فلا حاجة لنا للإطاحة بحاكم مستبد، يعود لنا من الشباك بدلاً منه حزب مستبد.
ما يخصنا في الأردن، أننا نريد أن تستجيب الحكومة لمطالب الأردنيين المعيشية أولاً والسياسية ثانيا، وان تكف عن السطو على جيوبهم كلما اصبح هناك خلل في الموازنة. نريد أن نرى حكومة لا تشير بوصلتها إلا إلى المصلحة الوطنية ومصلحة الأردنيين، حكومة قوية قادرة على حماية الإنجازات وتعظيمها، حكومة تسحب الاحتجاجات من الشارع وتتعامل معها كفكرة وليست أرقاماً مجردة.(العرب اليوم)