يتردد صدى السؤال في عمان حول سر تجفيف الدعم المالي للاردن،فلا الولايات المتحدة الامريكية دفعت المساعدات الموعودة،ولا دول عربية دفعت حتى الان،ليبقى السؤال ُمعلقاً حول السر الغامض في هذا الموقف.
تأخر المساعدات يأتي في توقيت خطير،وتحت ضغط الربيع العربي،والدنيا ليست سمناً وعسلا حتى يكون تأخر المساعدات امراً طبيعياً او يمكن احتماله،بل لربما العكس،لان حساسية التوقيت تفرض زيادة جرعة المساعدات والتسريع بها،لا حجبها او تأخيرها!.
بتاريخ 18-7-2011 كتبت مقالا بعنوان «هل تخلت واشنطن عن عمان» وقد اشرت مسبقاً وقبل عام تقريباً الى وجود شيء ما خفي في علاقات واشنطن بعمان،وان استراتيجية واشنطن السرية باتت تقوم على انهاك الاردن،وتجهيزه لتغييرات شاملة.
محللون في عمان يربطون هذا التجفيف المالي برغبة امريكية وعربية بتدخل الاردن في الشأن السوري عسكرياً،وهذا مجرد سيناريو،وهو سيناريو غير معقول،لان الاردن ليس دولة عظمى ليجتاح سورية ويحررها من نظام الاسد وجيشه الجرار.
هذا فوق كلفة التدخل على مستوى دم الناس هنا وهناك،والذي يقول ان العالم بحاجة للتدخل العسكري في سورية عبر البر الاردني،ُيمهّد لذات النتيجة اي التورط في الملف السوري،وهو تورط غير مضمون النتائج.
السيناريو الثاني الذي يطرحه محللون يتعلق بالقضية الفلسطينية،ويقول هؤلاء ان هناك مطالب غير معلنة من الاردن بخصوص ملف الضفة الغربية،ليس على مستوى العودة لحكم الضفة،بقدر مشكلة سكان الضفة،واستيعابهم،لان اسرائيل لاتريد اعادة الضفة للفلسطينيين ولا للاردنيين الذين حكموها،وكل القصة تتعلق بتسوية سياسية مرتبطة بسكان الضفة،لا بارضها،وتحمّل الاردن لمسؤوليتهم.
هذا ايضاً سيناريو لايقدر عليه الاردن،لاسباب تتعلق بالاردنيين والفلسطينيين،ولانه سيأتي تحت مظلة اتهام الاردن بتصفية القضية الفلسطينية،وتسليم الارض،وتولي مسؤولية سكان الضفة عبر المواطنة،وهو امر ُمكلف على الجميع،ومغامر من يعتقد بأمكانيته.
السيناريو الثالث وهو الاخطر يقول ان هناك اطرافاً دولية على رأسها الولايات المتحدة،ومعها حلفاء مثل اسرائيل تدفع الاردن باتجاه دوامة الفوضى،تحت وطأة الانهيار الاقتصادي،تمهيداً لمرحلة مقبلة،وان النظرة الى الاردن ككيان سياسي،وكخصائص عملية على الارض اختلفت في ظل توجهات جديدة غير معلنة،حتى الان،بعيداً عن الكلام المعسول في الاعلام.
هذا السيناريو يتوجب التوقف عنده مطولا،لانه مرة ثانية،لاتفهم كيف يراد للدولة ان تبقى وتستقر،وفي ذات الوقت يتم تركها لتقترب من حافة الهاوية،لاسمح الله،في ظل ضغط التوقيت وحساسيته،وفي ظل استثارة الناس عبر حرقهم بهذا الوضع الاقتصادي.
اياً كان السيناريو الصحيح،فإن مايجري خطير جداً،لان موقع الاردن السياسي وحساسية جواره،لايحتمل تركه بهذا الوضع الصعب جداً،وهو وضع يراد عبره احداث تغييرات شاملة على بنى البلد ومؤسساته،وليس مجرد الضغط.
الذين كانوا يعتقدون ان هذا مجرد ضغط من اجل الاصلاح السياسي تراجعوا عن نظريتهم تحت وطأة عوامل كثيرة.
لاتفهم كيف تقبل واشنطن والدول العربية الثرية للاردن المجاور لدول تحترق مثل سوريا ومصر والعراق ولبنان وفلسطين،ان يواجه هذا الوضع المأساوي اقتصادياً،والذي له تداعيات على الدولة وعلى الشارع،وكأنه يراد لهذه التداعيات ان تنفجر وان تخرج الى العلن،في سياق لاتفهم اهدافه النهائية،الا من باب انتاج نسخة جديدة مُنقحة من الاردن وكيانه السياسي وتكوينه.
هذا الوضع يستدعي من الدولة الصراحة،اليوم،وان تقول لنا،لماذا يتركنا اولئك الذين لم يتركونا،خصوصاً،ان انهيار هذا البلد لاسمح الله،سيؤدي الى انسياب الفوضى الى الجزيرة العربية،والى تحقيق مايريده محور ما،يرغب بتخفيف الضغط عليه؟!.
المفارقة ان السيناريو الثالث،اي اعادة ترسيم الاردن قد يكون امريكياً-اسرائيلياً،لكنه سيصب في مصلحة المعسكر الايراني وحلفائه في هذا التوقيت،بالذات،لحاجتهم الى ساحة انفجار بديلة من المعسكر الاخر.
ارسال الاردن الى الهاوية،سيأخذ معه بالضرورة كل المنطقة..ومن يعش يرَ.(الدستور)