للمرة الاولى تتحول القراءة الى مغامرة خطرة، يمكن أن تفضح الأسرار الدفينة، والصور المحرّمة، والعبارات التي لا يجوز البوح بها لأحد. وتصبح التكنولوجيا لعنة، والكومبيوتر وشاشته نقمة، ويدب الحنين مجددا الى الورق والحبر، والسموم الناجمة عنهما، والتي كانت تصيب الجلد وما تحته احيانا.
ذلك هو الانطباع الذي تخلّفه المعلومات المنشورة عن فيروس «فلايم» الاسرائيلي الذي كشفه الروس أخيرا بعدما تمكن من ضرب أهداف اقتصادية حيوية في ايران، جرى الاعلان عنها، بعدما تسلل الى شبكات في لبنان وسوريا ومصر والسودان وغيرها من دول المنطقة، واحدث أضرارا لم تعرف حتى الان.
الفيروس الذي كادت اسرائيل تعلن مسؤوليتها الصريحة عن إنتاجه وإرساله في مهمة اختراق شبكة قطاع النفط الايراني، لن يكون مجرد ضربة اسرائيلية خاطفة في الحرب الالكترونية التي تدور رحاها على الكثير من الجبهات الإقليمية… والأرجح أن الرد عليها لن يقتصر على ذلك السلاح الفتّاك الذي وفّرته تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، وشهرته الدول والجماعات والاحزاب كبديل او على الاقل كرديف لعناصر القوة التقليدية.
ما كتب عن ذلك الفيروس، او تلك الشعلة التي أوقدتها اسرائيل على شبكة الانترنت العالمية، يعيد البحث الى جذوره الاولى: لماذا صارت تلك الشبكة العنكبوتية التي اخترعها الأميركيون واستخدموها لأغراض عسكرية إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، مفتوحة ومتاحة للجمهور بلا اي مقابل، سوى بدل كلفة الاتصالات الزهيدة. الغرض التجاري اولا، وأرباحهم وارقامها خيالية، وكذا الامر بالنسبة الى مجمل القطاع الذي صار أقوى واهم من بقية القطاعات الإنتاجية في مختلف دول العالم. لكن الهدف الاستخباراتي ليس عابرا، بعدما باتت الشبكة المصدر الأهم والأدق للمعلومات عن الدول والشركات والأفراد.
الفيروس الاسرائيلي، كما ذكر الروس وأقرّ الإسرائيليون، لا يشبه أيا من الفيروسات المعروفة سابقا التي كانت غاية استخدامها اختراق شبكة انترنت معادية وتعطيلها. هو عدو خفي يتسلل الى الشبكات ويستقر فيها بانتظار تلقي الامر بالتحرك، الذي يشمل سحب جميع المعلومات الموجودة على شبكة ما، واخضاع اي كومبيوتر من تلك الشبكة لأوامر محددة تشمل حتى استخدام شاشته الى جهاز للتصوير والتنصت على صاحبه.
واذا صحّت هذه المعلومة عن الفيروس، والأرجح انها صحيحة، فإنها تنم عن عقل شرير، كما تعبّر عن الشر المطلق الذي تمثّله الشبكة ووسائل الاتصال الحديثة التي ألغت تماماً فكرة السرية وضبطت فكرة الخصوصية… التي تخلى عنها اصلا الكثيرون من مدمني تبادل الاخبار والأسرار الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي، في واحدة من اغرب العادات الرائجة حاليا.
تفاخر اسرائيل بأنها مصدر هذا الشر، ومركز تلك الحرب الطاحنة.