تصوّروا معي أنّ فرعون يدّعي الرشاد «ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد»، وتصوّروا أيضاً وبكل وقاحة يدّعي أنّه على الحق، وأنّ عقيدة موسى باطلة كاذبة، بل إنّه يدّعي أيضاً أنّ موسى كافر ضال، فقال له «وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين».
هذا حال فرعون الذي طغى وكفر، هذا هو حال الذي ادّعى الألوهية مستعبد الناس ومذلهم، يتكلّم بمنطق الصلاح والرشاد ويتّهم الأنبياء بالكفر والضلال.
لم يمنعه كفره وضلاله من وصف نبي الله موسى بأقذع الصفات. لماذا؟ لأنه تخلّق بأخلاق أهل الفساد الذين يتجرّدون من كل الصفات العلوية التي يتشرّف بها البشر.
لا لوم على الفاسدين البتة بادّعائهم أنّهم المصلحون، وأنّ غيرهم هم المارقون الضالون، لأن الادّعاء خلق، يتخلّق به الفاسدون على مرّ الأزمان، باق سائد في أفكارهم معشش في عقولهم إلى يومنا هذا. يتّهمون أهل الإصلاح بالأجندة الخارجية وهم غارقون باتّباع الأجنبي إلى الأذقان، يتّهمون أهل الإصلاح بالمنافع الشخصية وهم السارقون الذين سرقوا مدخرات الوطن وعرقه وجهده وكرامته، يتذرّعون بالفتنة وتفريق الناس والخوف على الوطن وأمنه، وهم الذين فرّقوا الأمة أشياعاً وجماعات وأذاعوا الخوف بين العباد وأرهبوا الآمنين وتنازلوا عن كل الأوطان بأثمان بخسة ودراهم معدودة.
أتذكرون ما هي حجتهم حينما وضعوا أيديهم على جمعية المركز الإسلامي؟ إنّها حجة وجود شبهة فساد، فصادروا ممتلكات الشرفاء وأوقفوا أعمالهم النظيفة العفيفة، وبنفس الوقت وباليد الأخرى كانوا يوقّعون على اتفاقية الكازينو اللعينة التي تبرؤوا منها، وتنكّروا لها وخرجوا منها لتسجَّل الجريمة ضد مجهول.
رائحتهم نتنة، تعرفهم بسيماهم، وجوههم ممسوخة لا ماء فيها ولا حياء, لا يعرفون الله ولا يتّقونه بل يشتمونه لأتفه الأسباب ويتعالون عليه مثل جدهم فرعون وأخوهم هامان.
ما زال أهل الفساد في المشهد لغاية هذا اللحظة، لم يغيبوا ولم يتغيّبوا, شاخصة أبصارهم نحو منافعهم ومصالحهم التي هي أعلى من إمكانيات الوطن, ما زالوا يعقدون الصفقات المشبوهة ويستنزفون البقية الباقية من خزينة الدولة بطرقهم الملتوية الفاسدة تحت مسمى معالي وسعادة ودولة، وما دروا أنّ عوراتهم وسوءاتهم انكشفت وافتضحت، وأنّهم سيُقدَّمون يوماً للمحاكمة العادلة طال الزمان أو قصر، لأن ذلك وعد من الله غير مكذوب، بأن يفضح المنافقين يوماً ما ويكشف السارقين أمام الأشهاد، لأنهم لم يرعوا حقوقاً ولم يصونوا إلاً ولا ذمةً ولا عهداً.
وقاحة أهل الفساد ستنقلب عليهم يوماً, فإذا أغرق الله تعالى فرعون جزاء جرأته وكذبه وفساده وعلوّه واستكباره, فإنّ رؤوساً كبيرة فاسدة سارت على نهج فرعون سيصيبها العطب وسيحرقها الحطب وسيطالها الغرق بالقريب العاجل، مثلما غرقت في تونس ومصر وليبيا وغيرها من بلاد الربيع. عندها سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.