الإصلاح نيوز/
كانت السبعينات استثنائية بالنسبة الى الهولنديين بعد ان قدموا للعالم مفهوم “الكرة الشاملة” التي قادتهم للوصول الى نهائي مونديالي 1974 و1978 باداء هجومي رائع جدا، لكنها عجزت عن منحهم الكأس الغالية لانهم لم يتمكنوا من تخطي واقعية الالمان والارجنتينيين.
حافظ الهولنديون على “ماركتهم المسجلة” في الثمانينات ونجحوا هذه المرة في ان يدمجوا بين جمالية اللعب والفعالية من اجل احراز كأسهم الاولى والاخيرة وكانت قارية حين تغلبوا على الاتحاد السوفياتي في نهائي كأس اوروبا 1988.
حاول الهولنديون التمسك باسلوبهم المميز خلال حقبة التسعينات لكنهم عانوا في مواجهة واقعية المنافسين وتوقف مشوارهم في الدور الثاني من مونديال 1990 ثم ربع نهائي مونديال 1994 ونصف نهائي 1998، فيما وصلوا الى دور الاربعة من كأس اوروبا 1992 و2000 و2004 وخرجوا من ربع نهائي 1996 و2008.
كان الخروج من ربع نهائي كأس اوروبا 2008 على يد الروس مفتاح وصول بيرت فان مارفييك الى تدريب “البرتقالي” خلفا لبطل تتويج 1988 ماركو فان باستن، ومعه تغير واقع المنتخب لانه ركز على تحقيق النتائج المرجوة اكثر من تقديم الاداء الهجومي السلس ونجح في اسلوبه لان الواقعية التي اعتمدها اعادت الهولنديين الى قمة هرم الكرة المستديرة من خلال الوصول الى نهائي كأس العالم.
حقق فان مارفييك بخبرته المتواضعة على دكة البدلاء في ما فشل به مواطنوه السابقون اصحاب السجلات الرنانة في المجال التدريبي، فخالف جميع التوقعات لان اشد المتفائلين في هولندا لم يكن يتوقع بلوغ المنتخب البرتقالي المباراة النهائية للعرس العالمي.
ولم تذخر وسائل الاعلام المحلية جهدا لتوجيه انتقاداتها الى المدرب فان مارفييك منذ لجوء الاتحاد الهولندي للعبة الى خدماته لخلافة فان باستن عقب الخروج المخيب من كأس اوروبا 2008 في سويسرا والنمسا، وذلك لقلة خبرته التدريبية وحتى مشواره الكروي كلاعب حيث دافع عن الوان فرق متواضعة وخاض مباراة دولية واحدة مع المنتخب البرتقالي، بيد ان هذا المدرب ولاعب الوسط المهاجم السابق خالف التوقعات ورد على منتقديه بطريقة رائعة على أرضية الملعب وقاد منتخب بلاده الى المباراة النهائية لكأس العالم للمرة الاولى منذ عام 1978 والثالثة في التاريخ بعد عام 1974.
قام فان مارفييك الذي يحسب له قيادة فيينورد روتردام الى لقب كأس الاتحاد الاوروبي عام 2002، بثورة كبيرة في اسلوب لعب المنتخب الهولندي فاعتمد اداء مختلفا تماما عن اسلوب “الكرة الشاملة” وجعله اكثر براغماتية بعد ان دفع ثمن ذلك في بطولات كبيرة مثل كأس اوروبا 2008 حيث تعملق على حساب فرنسا 4-1 وايطاليا 3-صفر ورومانيا 2-صفر قبل ان يسقط امام روسيا (بقيادة هولندي اخر هو غوس هيدينك) في ربع النهائي 1-3 بعد التمديد.
وبقيادة فان مارفييك، اصبح المنتخب الهولندي يبدع بنظامه وانضباطه داخل الملعب اكثر من اعتماده على الكرة الجميلة والاستعراضية، وقد اعطت هذه الخطة ثمارها ونجح منتخب “الطواحين” في الوصول الى النهائي بعد غياب 32 عاما.
كانت هولندا دائما بين المرشحين حتى بعد ايام النجوم الكبار يوهان كرويف ويوهان نيسيكنز وجوني ريب في سبعينيات القرن الماضي، لكنها كانت تسقط في منتصف الطريق، الا ان الوضع تغير بقيادة فان مارفييك حيث اتسم الاداء بالواقعية “الالمانية” التي تأثر بها المدرب بحكم تجربته التدريبية في المانيا على رأس بوروسيا دورتموند (2004-2006) وتخلص من صفة الفريق الخارق في الادوار الاولى والعادي في المباريات الاقصائية.
اذا كان مدربو المنتخبات العالمية يتميزون بشخصياتهم النافرة أو ظهورهم الاعلامي المستمر، فان فان مارفييك قد يكون أقلهم شهرة وأكثرهم عملا.
لجأ الى خدمات مخضرمين بارزين في صفوف المنتخب البرتقالي هما فرانك دي بوير وفيليب كوكو لمساعدته في الادارة الفنية، ووضع لنفسه هدفا وهو الفوز بكل المباريات والتتويج باللقب. هدف حققه حتى الان بنسبة مئة بالمئة تقريبا اذا علمنا بان هولندا فازت بجميع المباريات الثماني في التصفيات وخرجت فائزة بست من اصل سبع مباريات في مونديال جنوب افريقيا 2010 وكان تعثرها الوحيد في المباراة الاهم اي النهائي حيث خسرت امام اسبانيا صفر-1 بعد التمديد.
واصل فان مارفييك نجاحه مع المنتخب في التصفيات المؤهلة الى كأس اوروبا 2012 حيث خرج “البرتقالي” فائزا في تسع من مبارياته العشر، ليحجز مكانه في النهائيات للمرة التاسعة في تاريخه.
ويقول فان مارفييك الذي خسر اربع مباريات فقط مع المنتخب من اصل 45، في هذا الصدد “عندما تم تعييني من قبل الاتحاد قلت للاعبين: لدينا مهمة يجب ان ننجزها وهي الفوز. سخر مني البعض، ولكن من يضحك اليوم؟ لقد أظهرنا بأننا نعرف أيضا لعب كرة القدم. هذه هي الرسالة التي حاولت تمريرها: يجب علينا التركيز على المباريات وعدم الغطرسة”.
ومن عوامل نجاح فان مارفييك في مهمته، تركيزه على تصحيح مشاكل خط الدفاع. فبمجرد استلامه مهامه في آب/اغسطس 2008 قال “هذا المنتخب يهاجم بشكل رائع، الان سأقوم بتلقينه كيفية الدفاع بشكل رائع ايضا”. في غضون عامين، نجح فان مارفييك في رهانه. هدفان فقط دخلا مرمى هولندا في 8 مباريات في التصفيات المؤهلة الى كأس العالم. وفي جنوب افريقيا، دخل مرمى هولندا 6 اهداف في 7 مباريات (هدفان من ركلتي جزاء). واذا كان فان باستن جرب نحو 20 مدافعا فان فان مارفييك وضع ثقته في رباعي واحد (القائد جيوفاني فان برونكهورست وجون هيتينغا ويوريس ماتيسن وغريغوري فان در فيل)، كما انه اعاد الى صفوفه صهره لاعب الوسط المدافع لبايرن ميونيخ الالماني مارك فان بومل الذي كان مغضوبا عليه من قبل فان باستن.
باشراف فان باستن، كانت القوة الهجومية الضاربة للمنتخب البرتقالي ويسلي سنايدر واريين روبن ورافايل فان در فارت وروبن فان بيرسي وديرك كاوت تركض في مختلف انحاء الملعب من اجل زعزعة استقرار المنتخبات المنافسة لكن على حساب توازن المنتخب. مع فان مارفييك تغيرت الامور حيث يحرص كل لاعب على اللعب في مركزه ولم يعد مقبولا ان يتقدم مارك فان بومل ونايجل دي يونغ الى الهجوم لمساندة زملائهم لان المهمة اصبحت موكولة الى الظهيرين.
وقال سنايدر “فان مارفييك مدرب كبير ساعدنا كثيرا بهدوئه في مجموعة تضم العديد من اللاعبين المتهورين”، مضيفا “عندما أقارن تصرفاته على مقاعد البدلاء (مع مدربين اخرين)، فهو هادىء جدا وذلك يساعدنا كثيرا على الابداع”.
ونجح فان مارفييك بشكل كبير في القضاء على “انانية” نجوم المنتخب البرتقالي من خلال فرض سلطته عبر الحوار ويعيد تركيز لاعبيه في غرف الملابس ولا ينتقدهم ابدا في وسائل الاعلام. ويقول كاوت في هذا الصدد “علمنا كيفية تقبل نقاط ضعف زملائنا، الجميع يلعب مع احترام صفات وعيوب الاخرين”.
يتميز فان مارفييك ببرودة أعصابه وهدوئه وتوفره الدائم للاعلاميين ما يجعله قريبا من الجمهور الهولندي الذي يقدره كثيرا.
لا يملك فان مارفييك الكثير من النقاط المشتركة مع سلفه فان باستن، اذ كان لاعبا عاديا حيث أمضى مسيرته مع غو أهيد إيغلز (1969-1975) والكمار (1975-1978) وماستريخت (1978-1986) وفورتونا سيتارد (1986-1987).
في المقابل، يبدو سجل “لامبرتوس” (اسمه الأصلي) التدريبي أفضل خصوصا لدى قيادته فورتونا سيتارد (1998-2000)، فيينورد روتردام (2000-2004 و2007) حيث أحرز لقب كأس الاتحاد الاوروبي (يوروبا ليغ حاليا) عام 2002، وبوروسيا دورتموند الألماني (2004-2006).
يقول فان مارفييك: “لقد ترك لي ماركو ارثا جميلا. تكتيكيا حافظت على خطة 1-3-2-4، فباتت طريقة اللعب راسخة وأصبحت ميكانيكية اللعب أكثر سلاسة”.