تعبيرية
الاصلاح نيوز /،
حتى يظل قادرا على اداء رسالته في صون حقوق المواطنين وحمايتهم
بعد اسبوع واحد من الرسالة الملكية لرئيس مجلس القضاء الاعلى الجديد هشام التل وقع في خطوة غريبة وغير متوقعة الاعتداء بالضرب على قاضي محكمة بني عبيد في محافظة اربد من قبل شرطي يعمل في جهاز الامن العام مستخدما كتاب قانون العقوبات في ضرب القاضي على عينه اليمنى على ما في ذلك من دلالات رغم انها ربما تكون غير مقصودة لذاتها.
هذا التعدي على حرمة القضاء من لدن احد رجال الشرطة المنوطة بهم حماية اموال الناس واعراضهم والمحافظة على امنهم قضاة كانوا ام اشخاصا عاديين يطرح – رغم ان الحالة فردية – علامة استفهام كبيرة حول هيبة القضاء واليات التعاطي مع رموزه وكوادره من قبل السلطة التنفيذية وتوفير كل ما يلزم لضمان استقلاله وحياديته والاستقرار الوظيفي لكل العاملين فيه .
وبعيدا عن هذه الحادثة المرفوضة يعتبر القضاء المستقل النزيه الذي تطمئن له النفوس افرادا وجماعات هو عماد استقرار، الوطن وتعزيز مسيرته بحيث نحافظ على مكتسباتنا الاصلاحية ونتفيأ الحق والحرية في ظل مبدا سيادة الدستور والقانون. فالقضاء الاردني العريق هو الملجأ الاخير للحقوق والحريات وهو حامي المجتمع ومثله ومواطنيه وحضارته وارثه واقتصاده وهو اداة الاصلاح والتقويم لمن يسيء ونريده سيفا على الفساد والفاسدين يتصدرمؤسسات منظومة النزاهة ومكافحة الفساد فالقضاء عنوان الحقيقة ورمز لصحة المجتمع .
الفقرة السابقة وردت في متن الرسالة التي وجهها الملك منتصف الشهر الجاري الى هشام التل الذي اوكلت اليه مهمة رئاسة محكمة التمييز والمجلس القضائي خلفا لمحمد سلامة المحاميد الذي احيل على التقاعد بناء على طلبه بعدما تولى هذه المهمة قرابة ستة اشهر فقط .
وكان المحاميد عند توليه مهام هذه الوظيفة خلفا لراتب الوزني الذي اقالته حكومة البخيت في ظروف غير طبيعية قد تلقى رسالة ملكية حملت تاريخ 29/9/2011 وجاء في متنها : “… لابد من التذكير باهمية دعم مرافق القضاء وتوجيهها لتعظيم جهودها وقدراتها لضمان فصل سريع للنزاعات يحمي استقرار احوال المتقاضين ويرتبط بهذه الجهود ضرورة اعادة النظر في بعض التعديلات التشريعية الناظمة للعمل القضائي وسواء منها التعديلات الدستورية والتي من شانها تسريع الفصل في الدعاوى والاسراع في تنفيذ الاحكام وتخفيف العبء عن محاكم الاستئناف والتمييز بتحديد نوعية القضايا التي تنظرها .
في قراءاتهم لمضامين الرسالتين لكل من المحاميد والتل اكد المراقبون ان مضمونهما يؤكد الحرص الملكي الدائم على استقلالية القضاء واعلاء شانه وعمله وفق افضل مبادئ النزاهة والشفافية والحيادية وترسيخ استقلالية السلطة القضائية وتعزيز صلاحياتها حتى تظل قادرة على اداء رسالتها في صون حريات وحقوق المواطنين وحمايتهم من اي ظلم او تعسف .
بالمقابل اكد رئيس الوزراء فايز الطراونة في البيان الوزاري الذي تلاه امام مجلس النواب لنيل، الثقة يوم الاثنين 20/5 الجاري ” … ان الحكومة مستمرة في دعم استراتيجية تطوير السلطة القضائية لتكون كما ارادها جلالة الملك المعظم سلطة قضائية، مستقلة عادلة نزيهة كفؤة ومحلا لثقة المجتمع وضامنة للحقوق والحريات عمادها سيادة القانون والتكامل مع سلطات الدولة .”
وقبل ذلك اكد عون الخصاونة ومعروف البخيت وسمير الرفاعي على ذات المعاني ما يعني ان الدولة واركان الحكومات الحاليين والسابقين ينظرون الى المرفق القضائي نظرة تقدير ويعلنون انهم يولونه جل الاهتمام والرعاية وتوفير اسباب التمكين والاحتراف .
والسؤال هنا لو كان الرؤساء والاركان قد بنوا مدماكا او بعض مدماك يعني من شان هذا المرفق الحساس ووضعوا بعض وعودهم بخصوصه قيد التنفيذ هل كانت المرجعيات العليا ستواصل الحث وتشحذ الهمم لوضع هذا المرفق في الموقع والمكان المناسبين وان يكن اولئك الناس الذين حملوا امانة المسؤولية قالوا في تصريحاتهم وخطبهم كلاما، منمقا عن القضاء دون تطبيق الكثير على ارض الواقع الا يجب محاسبتهم لعدم امتثالهم للاوامر الملكية وفهم الاشارات والمداولات التي تؤشر على مواطن الخلل وكيفية معالجته او ازالته ؟؟
على مدى 60 عاما وتحديدا منذ 24 تشرين الاول عام 1957 وهو التاريخ الذي تولى فيه اول رئيس لمحكمة التمييز مهام وظيفته تعاقب على رئاسة هذا المرفق القضائي 15 رئيسا تراوحت مدة خدمتهم ما بين الطويلة والقصيرة والقصيرة جدا.
وقد لوحظ ان القاضي على مسمار الذي كان اول رئيس لمحكمة التمييز قد تولى وظيفته هذه، لمدة تجاوزت ال 19 عاما وتلاه القاضي موسى الساكت الذي تجاوزت مدة خدمته 13 عاما مقابل تذبذب في عدد سنوات تولى مهام هذه الوظيفة منذ عقد التسعينات والى الان ومن اقصرها مدة خدمة القاضي علي النعسان التي دامت نحو 40 يوما خلال الفترة مابين 17 تشرين الاول و26 تشرين الثاني، من عام 1994 ثم القاضي، فاروق الكيلاني الذي تولى مهام وظيفته لمدة ثلاثة اشهر واسبوعين خلال الفترة مابين 16/12/1997 والاول من نيسان عام 1998 .
المراقبون الذين ينظرون الى القضاء بانه ضامن للحريات والعدالة استهجنوا اسلوب تعامل بعض الحكومات مع الرموز القضائية ومن ذلك على سبيل المثال ما نشرته ” المجد” في عددها رقم 636 الصادر بتاريخ 3/10/2011 عن خفايا ” استقالة رئيس المجلس القضائي راتب الوزني الذي اقالته حكومة معروف البخيت فيما كان يراس وفدا قضائيا في المغرب مع ملاحظة ان رسالة الملك لخلفه المحاميد شددت على ضرورة الالتزام بمبدا الفصل بين السلطات الذي كلفه الدستور الاردني ويترجمه قانون استقلال القضاء وتعززه التعديلات الدستورية الاخيرة .
الملك حث المحاميد على اهمية دعم جهود اصلاح القضاء وتطويره في سائر الجوانب المرتبطة بالبنية التحتية القضائية وتعظيم قدرة المحاكم وطاقاتها وتمكين العنصر البشري بالتطوير والتدريب والتحصيل المعرفي المستمر .
ما سبق يدعو لطرح سؤال عما اذا كانت هناك استجابة بالمعنى الحرفي للكلمة وهل استنار اصحاب القرار بالافكار الملكية لايجاد الحلول ؟ واقع الحال تترجمه تصريحات رئيس محكمة الجنايات الكبرى الدكتور نايف السمارات الذي قال قال في تصريح لوكالة الانباء الاردنية / بترا محكمة الجنايات تعاني حاليا من ازدياد في عدد قضايا جرائم القتل بشكل لم تعهده في السابق وان الوارد منها للمحكمة وصل في بعض الاشهر الى 24 قضية في الشهر كحد ادنى فهل تواكب تعظيم قدرة المحاكم وطاقاتها مع هذا التطور الجرمي غير المعهود ؟
ايضا وضع د . السمارات يده على الجرح حين تحدث عن المشكلات التي تؤثر على سير عمل المحكمة فقال ان طبيعة القضايا المنظورة في محكمة الجنايات – ونحن هنا نطرح هذه المحكمة مثالا، تتطلب ان يكون الطابعون العاملون فيها من الذكور الذين لا يقبلون على هذا العمل بسبب تدني الراتب واضاف الى ذلك عدم تعود المحامين والقضاة والكوادر الفنية المساعدة على عقد جلسات المحاكمة مبكرا .
السمارات، لفت الى تحقيق اعلى المعايير الدولية في المحاكمات يتطلب زيادة عدد الهيئات، القضائية والكوادر المساندة المدربة والمؤهلة ولا مناص من القول هنا ان ما ينطبق على محكمة ينطبق على غيرها وهز امر يفضي بالنتيجة الى ان ان هذا المرفق احوج ما يكون الى الفعل وليس القول، ذلك لان في استقراره واستقلاله خير البلاد والعباد، ولناخذ العبرة من الدولة المصرية التي ظلت رغم كل ما احاط ويحيط بها تحتفظ بجهاز قضائي متماسك وفاعل وقادر على توفير الطمانينة والثقة لكل المواطنين .(المجد )،