كتب : ماهر ابو طير /
هي أردنية مسيحية، تم فصلها من مؤسسة، والمؤسسة هذه ليست أردنية، بل عربية، جاءت لتستثمر مشكورة في عمان، وهو امر ُمقدّر بطبيعة الحال لهؤلاء.
المؤسسة اسلامية، وتفرض لباساً محدداً على موظفيها، بما في ذلك السيدات، عبر ارتداء حجاب الرأس، والموظفة لم تلبس الحجاب، لانها غير مسلمة، ولانها لا تريد ذلك، مثلما لم نقبل نحن لمسلمة ان تخلع حجابها من أجل وظيفة في تونس قبل الثورة.
اضطرت موظفات اردنيات مسيحيات للبس الحجاب في ذات المؤسسة، حفاظاً على الوظيفة، في ظل اشتراطات المؤسسة، ولانهن حصلن على قروض من هذه المؤسسة، ولا قدرة لهن على رفض القرار، خشية خسارة الوظيفة، وبالتالي، الغرق في التزامات مالية.
«فيفيان سلامة» تعمل في المؤسسة في ما يسمى الدوائر الخلفية، اي انها لا تتعامل مع الجمهور مباشرة، وبرغم انذارها مرات عدة، من اجل لبس الحجاب، الا انها لاسباب دينية وشخصية تخصها، لم تقبل ان تلبس الحجاب.
تلقت انذاراً، ووصلت القصة الى اسماع جهات ذات صلة بحقوق الانسان، وتم التوصل الى اتفاق بأن تبقى في وظيفتها، مقابل ان تضع المنديل بشكل معين على الاكتاف، دون ان تلبسه، ثم بوغتت بالفصل، تحت عنوان عدم الالتزام بتعليمات المؤسسة.
القضية فجّرت ردود فعل، والبعض قال ان هذا تدخل في حياة الناس وخصوصيتهم الدينية، والبعض قال ان اردنيين مسيحيين ُيشغلون مسلمين، ويسمحون لهم بالصلاة والصيام في مؤسساتهم، ويشغلون ُمسلمات ولا يفرضون عليهن مثلا خلع الحجاب.
البعض ذهب ليتشفى بأسلوب مؤسف ليقول ان المسلمات في اوروبا حوربن بشأن الحجاب، وتم منعهن من لبس الحجاب، ولا تعرف ما علاقة ذلك بمجتمعنا الاردني والعربي، الذي لا يعرف هذه النغمة الثأرية، ولا يعيش اساساً على هكذا مناكفات ارتدادية؟!.
ثم ان المؤسسة ولكونها غير اردنية اساساً، لامست وتراً حساساً في البلد، الذي يعيش فيه الناس مسلمون ومسيحيون مع بعضهم، دون نعرات او حساسيات، وكأن هناك من تسبب بغير قصد بالعبث بموقد النار وجمره، الذي لم نقترب منه طوال عمرنا.
آخرون قالوا ان المؤسسة اسلامية، ومن الطبيعي ان تفرض نمطاً معيناً، والقصة لا تتعلق باضطهاد ديني لفيفيان سلامة او الاعتداء على حرمتها او خصوصيتها.
هكذا اثارت القصة ضجة كبيرة، نحن في غنى عنها، خصوصاً، ان مصدرها الاساس جاء من استثمار عربي، والادهى والامر ان كثرة من النخب والجماعات والمؤسسات سكتت امام القضية، اما لخوفها من حساسية القصة، واما لرغبتها بالحفاظ على المستثمر.
لا الحكومة ولا البنك المركزي ولا اي طرف رسمي توقف عند القصة، فيما السفارات الغربية، وعلى رأسها الاميركية تابعت كل تفاصيل القصة، وكأننا نقول ان القصة لا تعنينا من قريب او بعيد، في مناخ من السلبية.
المثير في القصة انها استعملت لاذكاء التجاذبات بين المسلمين والمسيحيين، لرسم صورة تقول ان الاردنيين المسيحيين يتعرضون لاضطهاد، وعلينا ان نتذكر ان كل مناخات المشرق تفيض باشارات سلبية ضد العرب المسيحيين.
بصراحة لا يمكن اعتبار القصة مجرد لباس رسمي تعتمده المؤسسة، وهذه المؤسسة ورثت موظفيها من مؤسسة أردنية كانت تعمل في نفس المجال، وبالتالي لا قدرة لها على اطلاق شروطها كما تشاء، ولو قامت بالتعيين هي لفهمنا اشتراطاتها المسبقة، غير انها ورثت الكادر كما هو.
على هذا لايمكن ترك القصة، وهي دعوة للمؤسسة لأن تعود عن قرارها هذا، لاعتبارات كثيرة، وان تعيد الموظفة الى عملها، والا فلتقم اي مؤسسة بانصافها وتعيينها،حتى لا تصبح علاقة المسلمين والمسيحيين في كفة، ولبس المنديل في كفة أخرى.