قد تصمد فكرة رفع الدعم عند النقاش من زاوية مالية محاسبية, ولكن منذ متى كانت إدارة الدول أمراً مالياً محاسبياً?
لنتأمل العقدين الأخيرين في الأردن, فقد قادت السياسات ذاتها (التي تتكرر اليوم) والتي قادتها الطبقات والفئات الاجتماعية ذاتها الى هذه الحلقة المفرغة, واليوم (دعكم من الشعارات) فإن جوهر ما يطرح هو مجرد بحث عن طريق لاستمرار هذه السياسات بدل أن تطرح باعتبارها سؤالاً موجهاً في وجه هذه السياسات وأصحابها.
لمجرد “الاستهبال” لا أكثر, تظهر المسألة اليوم وكأنها سعي من قبل محسنين كرام لطفاء رحيمين يبحثون عن طرق إيصال الدعم لمستحقيه. إنهم في الواقع يبحثون عن الطريق الأنسب لمواصلة سياسة لا تضع الناس هدفاً لها, سياسة منحازة اجتماعياً تسببت في زيادة الفجوة بين قلة مستفيدة وأغلبية متضررة, وما يطرح اليوم ليس أكثر من سعي لمواصلة السير في النهج ذاته, ولكنهم يريدون ان يتم ذلك بهدوء, وقد فلتت من لسان أحد الوزراء في الحكومة الجديدة عبارة أفصحت عن ان الحكومة تنتظر ظروفاً سياسية هادئة لتنفيذ قرار رفع الدعم.
لسوء حظ الحكومات الأربع الأخيرة, أن قرار رفع الدعم, الذي يعني رفع الأسعار, يأتي في ظروف لم يعد فيها بالإمكان ضمان سكوت الناس أو تخويفهم من الاحتجاج, ولهذا استمرت محاولات تأجيل القرار لأكثر من سنة بانتظار الظرف المناسب الذي يبدو أنه لن يأتي, ولذلك من المتوقع أن قطاع “الاستهبال” الرسمي سيشهد نمواً متزايداً.