في كتابه الشهير «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» يروي لنا «ابن بطوطة» حكاياته عن اسفاره، والكتاب بلا شك مرجع مهم جدا في ادب الرحلات والتجوال بين بلد واخر، دون ان يكون مرجعا مقدسا لا يقبل النقد او التأويل.
غير ان الرحالة والكاتب ابن بطوطة، حظي في الاغلب بمديح من كثيرين، ممن صنفوا مروياته باعتبارها الاهم في ادب الرحلات عند العرب، دون اي نقد لشخصية ابن بطوطة،التي تحفل بسلبيات كثيرة، تؤشر على جوانب غير حميدة في شخصية الرحالة، وفي تقييماته التي تبقى موقع شك، لاعتبارات يأتي ذكرها.
في شخصية «ابن بطوطة» شخصية متكسبة تمد يدها للسلاطين والحكام، وتتلقى الهدايا من المال الى الطعام، مرورا بالخيل والاعطيات المختلفة، والذي يحلل النصوص يكتشف ان اغلب من اشاد بهم، كانوا قد اكرموه بشكل او اخر، واذا كان بعضنا يعتقد ان الاعطيات احدى وسائل ابن بطوطة لادامة اسفاره وتمويلها، فان هذا الاعتقاد يسقط تلقائيا، امام عدم حاجته اساسا لكل هذه الاعطيات باعتبارها راعيا لجولاته، ولان هذا سلوكا اصيلا في شخصيته بما يتجاوز فكرة تمويل الاسفار، وهذا يجرح شهاداته في السلاطين والحكام الذين اكرموه فنالوا منه التمجيد والمديح ايضا.
انها الطريقة العربية الشهيرة التي تقوم على اساس تلقي الاعطيات، ومن حاكم الى حاكم، ومن سلطان الى سلطان، ونقرأ نصوصا كثيرة،اشار فيها ابن بطوطة بأسف ومرارة عبر مفردات نقد لاذع لكل اولئك الذين لم يقدموا له شيئا على سبيل الهدية، والامر امتد حتى الى نوعيات الطعام والولائم، ونقرأ بكل وضوح مدى اسرافه في وصف من اكرموه واشكال التكريم والموائد، على حساب التفاصيل الواجب روايتها بخصوص الاماكن والدول وعاداتهم وتقاليدهم، وهكذا يتلون النص بموقفه ممن يستضيفه في حالات كثيرة، ولا يخضع في الاغلب لمعيار حيادي.
يمتد الامر الى جانب اخر في شخصية ابن بطوطة، وهو الجانب المزواج، فقد تزوج كثيرا في اسفاره، وكان له ابناء وبنات وذرية، تركها خلفه في هذا البلد او ذاك، دون ان يلتفت بأي اهتمام الى مسؤوليته كأب والى ذريته، في سلوك اجتماعي سلبي للغاية تعامل مع المرأة باعتباره متعة عابرة في الاسفار، تؤنس محطات وحدته، ويتركها خلفه وحيدة، بعد ان كانت محظيته في هذا البلد او ذاك، واسماء لبنين وبنات، لا يعرف احد ماذا كان مصيرهم عند كل سفرة جديدة لابن بطوطة.
فوق هذا تأتي اشاراته التي ُتكرس الشركيات والغيبيات، وتؤطرها باعتبارها جزءا من الدين، عبر مبالغاته في الحديث عن الاولياء الذين يلتقي بهم، ومن يمتلكون قدرات خارقة من غير المسلمين، واذا كانت هذه جزءا من المشهد الاجتماعي انذاك،الا انه عمليا قام بشرعنتها عبر جعلها جزءا من مروياته، ومنحها ايضا هالة قدسية باعتبارها انقذته من الموت مرات، وافادته في مرات، وهذا تكريس لغياب العقل، لصالح غامض الغيب، ولربما احلال للخرافة مكان العقل.
تستحق شخصية «ابن بطوطة» قراءة نقدية من المختصين،الذين عليهم واجب رفع هالة التقديس عن اسماء كثيرة في الحياة العربية، سياسية كانت ام فكرية، والقراءة النقدية في هذه الحالة تساعد القارئ، على ان يعتمد «النقدية» سمة اساسية في قراءته بدلا من الاسلوب الغالب الذي يعتبر كل قديم مطبوع، لا يجوز الاقتراب من نصوصه ومعانيه، فما بالنا بكتاب مثل كتاب ابن بطوطة.
لو عاد ابن بطوطة وفقا لمعايير اليوم، لحظي صاحبنا بمحاكمة كبرى، على تهم تبدأ بتلقي الرشاوى، وتصل حد رمي ذريته دون سؤال او جواب في عواصم الدنيا، مرورا بالترويج لما يمكن اعتباره مخالفا للدين في جوهره وعمقه، فوق التزلف والنفاق والتقرب من اصحاب القرار، مقابل تحسين سمعتهم في مروياته المكتوبة وتلك المحكية.