يحكى أن فلاحا كان يتجول في الغابة, يتأمل طبيعتها وجمالها الآخاذ, وبينما كان سائراً إذ به يجد بيضة غريبة الشكل كبيرة الحجم ملقاة على الأرض.
أشفق هذا الفلاح على هذه البيضة كونها وحيدة مثله تماماً, مما جعله يحملها برفقٍ ويعود أدراجه إلى كوخه حاملاً هذه البيضة بكلتا يديه مشفقا عليها كأنها جزءٌ لا يتجزأ منه.
و من شدة حبه لهذه البيضة وضعها مع مجموعة من البيض التي كانت ترقد عليه إحدى الدجاجات.
و مرة الأيام وهو في كل يومٍ يقوم بتفقد هذه البيضة دونا ً عن أي بيضة أخرى و أولى لها اهتماماً كبيراً مما أثار استهجان الدجاجة ( رغم أننا لا نفهم لغة الدجاج) إلا أن ملامحها تقول ذلك؛ لم يسبق لهذا الفلاح أن قام بمتابعة البيض بهذا الشكل ؛ ،وكأنها كانت تقول في قرارة نفسها ( كنت أبيض له دوما ،وعند تفقيس البيض وخروج الصيصان لم يكن يعبه بذلك , لم يكن يزورني إلا لكي يحضر لي بعضا من العلف و الحبوب, ما قصة هذا الرجل؟؟؟؟)
و لم تمضي الأيام حتى فقست جميع البيضات باستثناء البيضة المدللة, مما أثار غضب الفلاح, وكان يجبر الدجاجة المسكينة أن تبقى راقدة على هذه البيضة وتنسى أمر صغارها, كأنه كان يقول لها ( ابلشي أنتي بالبيضة, و انا بدير بالي ع الصيصان).
وفعلا كان يفعل ذلك, كان يقضي ساعات طويلة في رعاية الصيصان حتى جاء الفرج وخرج الصوص المبجل من البيضة.
لكنه لا يشبه أحداً من الصيصان, كان حجمه أكبر, ريشه أكثر, منقاره أضخم, مما اثار رعباً ورهبة في قلب الدجاجة و قلوب أبنائها.
لكن الفلاح لم يكترث بالأمر, بل زاد اهتمامه أكثر و أكثر بهذا الطائر.
مرت الأيام والأيام, حتى صار هذا الطائر يلهو بالقن مع صغار الدجاجة كأنه واحد منهم وكان يجوب القن ذهاباً وإياباً و ينتظر بفارغ الصبر نصيبه من الحبوب.
مرت الأعوام والأعوام وبدء جسم الطائر يكبر شيئاً فشيئاً, حتى أنه لم يعد يتسع له القن, وعدا عن ذلك زادت رهبة الصيصان وزاد خوفهم, وذلك مما استدعى الفلاح أن يخرجه خارج القن, وقام بربطه بشجرة قرب الكوخ.
وذات مرة افلت هذا الطائر واطلق ساقيه للريح متجها نحو الغابة, وبينما كان يتجول, إذ به يلتقي بطائرٍ يشبهه تماماً, لكنه لم يكن يأكل الحبوب, بل كان منقضاً على غزالٍ صغير ينهش بمخالبه ومنقاره الضخم جسم الغزال, استغرب صديقنا المهجن فعل ذاك الطائر.
و عندما انتبه الطائر للضخم لصديقنا. سرعان ما شقت وجهه ابتسامة عريضة ودعاه لكي يشاركه الوليمة, لكن صديقنا رفض ذلك واستنكر ما يأكل وقال له (انا ما بوكل هيك أشياء, اذا في عندك شوية حبوب بكون ممنون الك كثير).
مما جعل الطائر الضخم يستشيط غضباً وقال له بنبرة حادة ولك أنت اهبل؟؟!! إنت نسر شو بتخبص قاعد؟؟ شو حبوب ما حبوب ..؟؟ هضول الطيور الصغار والجاج بوكلو هيك شغلات).
فرد صديقنا قائلا : (لا يا عمي انا جاجة وبدي حبوب).
أثار رد صديقنا ،غضب النسر الضخم مما جعله يضربه ضربة قوية بجناحه مما افقد صديقنا وعيه, ثم حمله معه وطار به إلى قمة الجبل.
وبعد فترة وجيزة استيقظ صديقنا من غيبوبته ليتفاجئ بوجود عدد كبير من المخالبِ الحادة والمناقير الضخمة, فامتلئ قلبه رعباً و خوفاً, طوى جناحيه على نفسه من هول المنظر.
اقترب منه كبيرهم وازال عن وجهه جناحيه وقال له : (حبيبي شو هاض اللي سمعته؟؟ حبيبي انت نسر سامعني مش جاجة, يعني انت مكانك بالسما فوق مش مثل العصافير و لا مثل الجاج بخم).
ضل صديقنا صامتاً و لم يتكلم ولا بحرف واحد, تم تحضير العشاء وجهزت الوليمة ودعوه ليأكل معهم لكنه رفض و اصر على موقفه, فقام كبيرهم و ادخل قطعة كبيرة من اللحم في منقاره عنوة, مما جعل صديقنا يتقيأ وأحس بصداع شديد, وأسلم نفسه للنوم.
و في اليوم التالي استيقظ صديقنا باكرا كعادته, واخذ يتجول على سفح الجبل بحثاً عن شيء يسكت جوعه لكنه لم يجد, وعندما انتصف النهار, استيقظ كبير النسور وخطى نحوه بخطواتٍ متثاقلة و دنا منه وقال( حبيبي بدك اليوم تتعلم كيف تطير ماشي).
ضل صديقنا صامتا ولم يجب, وجره كبيرهم و برفقته عدد لا بأس به من صغار النسور إلى سفح الجبل.
وأخذ الصغار يقفزون واحدا تلو الآخر ويطلقون جنحانهم للسماء, وعندما حان دور صديقنا بكا كثيرا ورجاه أن لا يفعل ذلك قائلاً : (مشان الله والله ما بعرف أطير والله أنا دجاجة )
قال كبيرهم : ( ولك انت نسر , يعني انت فوق الطموح فوق الناس, بدك تطير خاوة) وامسكه من رقبته و القى به من فوق الجبل.
ولكن هذه المرة لم تسعف الفطرة صديقنا ولم يطلق جناحيه للسماء كما كنا نقرأ في قصص الأطفال, بل ضل يردد (انا دجاجة انا دجاجة انا دجاجة انا دجاجة أنا دجـــــا ….)
وارتطم بالارض ومات.
وهكذا هو حال من يسعى جاهدا لقتل طموحه, يكون هو أصلا نسراً كاسراً بإبداعه, ولكنه يصر على العيش كالدجاج ملقياً رأسه للأرض ليلتقط فتات الأمور.
و استشهد بقول للشاعر الكبير المتنبي:
إذا كنت ذا شرفِ مرومٍ ، ، ، ، ، ، ، ، فلا تقنع بما دون النجومِ
فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ ، ، ، ، ، كطعمِ الموت في أمرٍ عظيمِ
وأعود وأكرر
لقد أسمعت من ناديتَ ، ، ، ، ، ،حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
محمد الرواشده
22/5/2012
أكثر...