بقلم : معن البياري/
سأَل الناقد الموسيقي اللبناني، إِلياس سحاب، مرَّةً، محمد عبد الوهاب عن رأْيِه في صوتِ وردة الجزائرية، فأَجابَ إِنه صوتٌ “صحتُه كويسة”، ويرى سحاب أَنَّ هذا يعني أَنه صوتٌ قويٌّ ومساحاتُه كبيرةٌ في الطبقاتِ المنخفضةِ والعالية. وأَزعم، من دون اختصاصٍ في مثل هذا الكلام الكبير، أَنَّ قوةَ صوتِ الفنانة الراحلة يتبدّى في ليونتِه الأَخاذة وصفائه الرائق، وفي شيءٍ من كلثوميةٍ فيه حين يمتدُّ سخياً، من دون فخامةٍ جهوريةٍ، أَو تطريبٍ زائد. وإِذا جازَ القولُ إِنَّ وردة كانت تنويعاً بديعاً بين أَصواتٍ شديدةِ التفرد، نجاة وصباح وعفاف راضي وشادية وفايزة أَحمد، على تنوُّعِ تمايزاتِ أَصواتهن، فإِنه يجوز الزَّعمُ أَنَّ هذا التنويع البديع، والذي تُتَوِّجه فيروز وأُم كلثوم، هو ما يجعلنا على كلِّ هذا الحنين إِلى “الزمن الجميل” الذي يحوزُ وصفَُه هذا بجدارةٍ، وقد مضى وانقضى، سيَّما وأَنَّ زمنَنا الذي نمكثُ فيه، مع وجودِ أَصواتٍ غنائيةٍ نسائيةٍ جميلة، يفتقدُ ذلك السياق الباهر ونسقَه الفنيَّ الثقافيَّ الجمالي في ستينياتِ ذلك الزمن وسبعينياته وبعضِ ثمانينياته. وإِنْ تقرأَ سيرةَ وردةِ الجزائريةِ ستقعُ على سمتٍ كفاحيٍّ في تحقيقِ طموحِها، مسلحةً بموهبتِها ونباهتِها، مقرونٍ بوفاءٍ صادقٍ إِلى اللحنِ المتعوبِ عليه، والمهجوسِ باكتشافِ مناطقَ متعةِ الذائقةِ السويّة، وكذا إِلى الكلماتِ التي تستحقُّ أَنْ يُستمعَ إِليها في أُغنيةٍ ينبغي أَنْ تكون بديعةً وجاذبةً، تحمي آذانَنا ومداركنا وخيالاتنا بالجميلِ صوتاً ولحناً وكلمات.
،تنتسبُ وردة بقديمِها إِلى الإيقاع الذي صاغَه كبارٌ من طراز رياض السنباطي ومحمد الموجي وحلمي بكر وبليغ حمدي الذي “كان فناناً عظيماً وزوجاً فاشلاً”، بحسبِها. وصاغَه أَيضاً شعراءُ بديعون، منهم حسين السيد ومحمد حمزة وعبد الرحمن الأبنودي ومأمون الشناوي.
،وفي جديدِها المتأَخر، حافظت الراحلة على بهاءِ صورتِها، مغنيةً منحازةً إِلى أَناقةِ الصوتِ وإِلى الإطلالةِ المضيئة، عندما تعاونَت مع ملحنين شباب، صلاح الشرنوبي مثلاَ (بتوَّنس بيك مثلاً). والبادي أَنها كانت، رحمها الله، حريصةً على أَن لا يهزَّ تقدُّمها في العمر صورتّها مغنيةً جذّابة، بصوتِها المعدنيِّ، على ما أَجادَ في وصفِه حلمي بكر، وبقامتِها الوارفة، وأُخمِّن، هنا، أَنها توفيت عن أَكثر قليلاً من 73 عاماً الذي شاعَ في الأَيام الماضية. وفي أَرشيفِها، والذي قرأنا فيه أَنها لم تكن تقبل الحصولَ على أَجرٍ من أَغانيها الوطنية، ردَّت على إِشاعةٍ عن اعتزالها إِنَّ الغناءَ بالنسبة إِليها هو الحياة، وإِنها ستظلُّ تغنّي حتى آخرِ نفسٍ في حياتِها. وأَحسنَ صحافي لبنانيُّ في كتابتِه إِنَّ وردة كانت امرأَةً تتنفَّسُ فناً وغناءً.
،جزائريةُ الموطن فرنسيةُ المولد لبنانيةُ الأُم مصرية الهوى، كأَنَّها تشكيلٌ يجمعُ المشرقَ والمغربَ العربيين، مع مسحةٍ أوروبية، وكانت إِسماً بارزاً في ظاهرةِ ارتحال الفنانين العرب إِلى القاهرة، (أسمهان وصباح مثلاً) والأَبرز مغاربياُ، مع التقدير لعليّة التونسية. وكان طيِّباً من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أَنه محضَ مواطنتَه تقديراً خاصاً، وكان مُحقاً في قولِه إِنَّها كانت قامةً قلَّ أَن تُسامى، وموهبةً مبدعةً ندر أَنْ تُضاهى. وكان جميلاً من ملك المغرب، محمد السادس، إِيفادُه شخصيةً رفيعةً للمشاركة في تشييع الفنانة. ويكونُ جميلاً من هواةِ الغناءِ الشابات أَنْ يُكثرن من سماعِ وردة، فصوتُها برنّةِ الشجى فيه، وفي متانتِه وانبساطِ تموجاتِه الحلوةِ، يرتفعُ بالذائقة، ويشحنُ سامعَه ببهجةٍ، … استعنتُ بسماعِه في أَثناءِ كتابةِ هذه المقالة.(الدستور)