يصدر عن المركز الإعلامي في مكتب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية تقرير دوري بعنوان التحريض الإسرائيلي “incitement by “Israel، يرصد الانتهاكات التي يقوم بها العدو الصهيوني والتي تزيد وتيرة العنف والتوتر والكراهية وتحدّ، بناءً على زعم التقرير، من فرص إقامة الدولة الفلسطينية!
والتقرير الصادر لهذا الشهر يمثّل كثيرا من القطاعات ويبدأ بذكر الانتهاكات على المستوى التعليمي ومستوى المناهج، حيث يبيّن أنّ المناهج الإسرائيلية في كافة المستويات التعليمية تشير إلى ما يسمى بعرب “إسرائيل” على أنّهم همجيون ولصوص وبدائيون رُحّل لا يعرفون الحياة المدنية، وأنّهم خطر ديمغرافي يهدد وجود “إسرائيل”، ولا يوجد في الكتب أيّ خرائط لفلسطين أومنطقة أو قرية أو شارع يحمل اسما فلسطينيا، وحتى الخرائط التي أصدرت بعد اتفاقية أوسلو تسمي منطقة الضفة الغربية بيهودا والسامرة، ولا يوجد أيّ إشارة إلى مناطق السلطة الفلسطينية أو الدولة الفلسطينية، أمّا القدس وحتى الجزء الشرقي منها، فهذه لا ذكر لها على الإطلاق ضمن حدود دولة 67، بل إنّ خرائط أخرى تشير أنّ مناطق السلطة هي أرض إسرائيلية تخضع للإدارة المحلية الفلسطينية فقط.
وتدعو كتب أخرى إلى ضرورة تهويد الجليل، حيث يسكن معظم الفلسطينيون، وعدم فصله عن “إسرئيل” بشراء الأراضي من أصحابها لضمان عدم وجود حواجز عربية بين المستوطنات الإسرائيلية، بل ويصف كتاب عن إدارة الأراضي العرب بأنّهم لا يعرفون نظام السكن الحديث في المباني العالية ويفضّلون مبان منخفضة ملحَقة بأرض، ويرفق الكتاب مع هذه المعلومة صورة كاريكاتيرية ساخرة لعربي بجانبه جمل لمزيد من ترسيخ الصورة المتخلفة عن العرب!
أمّا فيما يخصّ المسجد الأقصى فتزداد الدعوات المتطرفة إلى هدمه وإقامة الهيكل عاجلا ليس آجلا، وعدم الانتظار وإهمال كل الضغوط الدولية، وعدم ترك الأمر للظروف المواتية أو الهزات الأرضية، أو أن يهبط الهيكل من السماء، بل المبادرة والمسارعة وتكثيف حملات المداهمة.
أمّا بالنسبة للجانب السياسي، فتبرز دعوات الأحزاب المتطرفة كالليكود وغيره إلى إعادة احتلال غزة والقضاء على حماس وتهجير الفلسطينيين، وكتب عضو الكنيست عن حزب “إسرائيل بيتنا” ميشيل بن أري أنّ “إسرائيل” تشمل الأراضي المحتلة عام 67، وهي إرث للأجيال الإسرائيلية، ومن عنده مشكلة فليشرب من البحر الميت أو ليستعدّ للحرب، وبن أري وجماعته يرفضون حل الدولتين واتفاقية أوسلو، بل هو من قادة عمليات جباية الثمن التي تستهدف الفلسطينيين وأطفالهم وأراضيهم ومساجدهم ومقابرهم.
أمّا نتنياهو فيبرر بحسب التقرير قتل الأطفال الفلسطينيين، وذلك أثناء لقائه مع وزير الخارجية الفرنسي وتعليقه على مقتل أطفال إسرائيليين في تولوز وصفهم بالأبرياء والمدنيين، بينما الأطفال الفلسطينيون مختلفون، فهم يقتلون في سياق الحرب على الإرهاب.
وفوق ذلك يوضح التقرير كيف يقوم الإسرائيليون بتكريم وتخليد شخصيات معادية للفلسطينيين، كرحبئام زئيفي المعروف بتاريخه الإجرامي في البالماخ وموليدت، حيث خصصت الدولة صندوقا خيريا باسمه وبعثات دراسية للطلاب لإظهاره كقدوة للأجيال.
أمّا زوجة سيلفان شالوم نائب رئيس الوزراء فكتبت على صفحتها على الفيس بوك تشجّع تصعيد العمليات على غزة وعلى المدنيين خصوصاً، وأصدر ايال كارم حاخام القوات العسكرية فتوى تسمح بالاغتصاب كجزء من إكمال الانتصار العسكري وتخفيفا للاحتقان الجنسي الذي يصيب الجنود في الحرب.
وهذا غيض من فيض معلومات وصور يزخر بها التقرير، وما خفي كان أعظم، ففي تاريخنا وحاضرنا ما يدل أنّ الإسرائيليين أهل القباحة والنذالة واللإنسانية، ولكن السؤال ماذا يفعل من تصلهم هذه التقارير في السلطة وكيف يتصرّفون تجاهها؟ هل هي مجرد أوراق تكوّم في الأدراج ثم يلقى بها إلى القمامة؟ أم أنّ هناك من يتابعها ويتخذ القرارات والسياسات بناءً عليها؟ وإذا كانوا يقرؤونها، فهل يعون ما فيها، وهل نتيجة الوعي ما نرى من تشكيل لحكومات لا تملك أن تحفظ الكرسي على أرضها، واستمرارية في نهج ما يسمى بالمفاوضات والعملية السلمية؟ وماذا تحتاج السلطة من دلائل لتفهم أنّ خيار المقاومة في الخيار الإستراتيجي والوحيد للشعب الفلسطيني؟ وإذا لم تفهم السلطة ولم تلق بالا لما يرِدها من معلومات، فهل سيفهم الشعب ويستعيد رؤيته التي اغتصبتها مجموعة لا تمثّل القرار الفلسطيني ولم تنجز سوى مزيدا من التفريط بالأرض والإنسان والحقوق؟!