عبدالهادي راجي المجالي، – الراي
جاءني ألف هاتف أمس، يخطرني بأن برنامج «الجريمة السياسية» قد بدأ على شاشة الجزيرة…وهو عن وصفي، وثمة أسئلة.. دون أجوبة ظلت في القلب الحائر…
ودرب الحر يا وصفي…
أهو استفزاز؟ أم نبش لذاكرة شعب….؟ أم أنهم ارادوا طرق بلاطات قبره مذكرين؟…أنا لا اعرف المغزى من بث البرنامج……
وثمة مشاهد غريبة عجيبة للقتلة وهم يدخنون السجائر في حضرة المحكمة ويتهامسون ويقهقهون، وتلك المرة الأولى التي أرى فيها القاتل ينفث دخان (المارلبورو)..وقد عقد ربطة العنق بشكل جميل، واستلذ برائحة الدم…. وثمة مشهد تمثيلي آخر يظهر فيه وصفي وقد ارتمى على درجات الفندق بعد أن قام احدهم برميه….والحقيقة تقول أن وصفي لم يسقط ولم تلمسه يد ظل يترنح إلى أن جلس على الدرجات.
ودرب الحر يا وصفي…
ما الذي يريدونه….هل يريدون إعادة أنتاج الحزن فينا؟ هل يريدون مثلا أعادة فتح الجرح من جديد؟..هل يريدون مثلا استفزاز الأرحام مرة أخرى..والقول إن وصفي لن يتكرر…
ودرب الحر يا وصفي….
أتذكر قبل سنوات طويلة..ابتليت أمي بالسرطان، وكنت أنام في الغرفة المقابلة لغرفتها…وفي الليل وخوفا من ارتفاع الحرارة أو مداهمة الجلطات المفاجئة لها…كنت استمع لطقطقات خرز (مسبحتها) كنت أعتبر صوت (المسبحة) بمثابة شيفرة سرية تنبهني انها مازالت على قيد الحياة والقلب ينبض….وهي لم تكن تحب النوم كثيرا كانت تمضي ليلها بالتهجد وقراءة القران والتسبيح ومنذ أن وعيت على الدنيا لم أشاهد المسبحة قد فارقت يديها…
ذات يوم صمتت ولم أعد اسمع تلك الطقطقات (تك…تك…تك)
ماتت..وهذا لم يكن موتا وإنما كان اغتيالا للحب..واغتيال الحب شيء أصعب من الموت بكثير.
وصفي التل كان اغتيالا للحب أيضا..فهذا الرجل كان أبا ورمزا…لوطن داهمته النكبات واحدة تلو الأخرى…غير انه حين غادر الدنيا ترك من حضوره صوت الطلقة الغادرة…طلقة واحده لم نعرف مصدرها للان..
والذي حدث أنهم اغتالوا قلب شعب وليس قلب رجل.
ودرب الحر يا وصفي…
بعد ان أنهيت مشاهدة الحلقة نمت على المواجع وسؤال يعصف في القلب ما الذي يريدونه من أعادة نبش الحزن واليتم في ان واحد؟….ما الذي يردونه!
لم أعرف؟..ولكن عادت طقطقات خرز مسبحة أمي إلى ذاكرتي….وصوت الطلقة الغادرة ظل في الذهن….فالأردن أبي ووصفي كان وطنا…..ولم يكن فردا..
وتذكرت وقتها اننا أمة تغتال الحب…ووصفي كان قصة عشق تم اغتيالها على أدراج فندق الشيراتون في القاهرة….
ودرب الحر يا وصفي…
hadi.ejjbed@hotmail.com