نزل الكثير من الفلسطينيين في أنحاء شتى من العالم للتعبير عن سخطهم من النكبة والتمسك بالعودة .. جميعهم تقريبا من لم ير بلاده إلا على الورق أو في الأناشيد الوطنية أو أحاديث القدامى … أثبتت الأجيال الفلسطينية اللاحقة على جيل النكبة قدرة فائقة على صياغة أشكال التعبير إزاء تحرير الأرض والعودة إلى فلسطين. من حملة السلاح إلى الفن الثوري والأدب المقاوم والانتفاضات العارمة والتنظيمات المسلحة وغير المسلحة وغيره، أبرز الفلسطينون سطوة على شتى المجتمعات تقول بفلسطينهم على أرضهم التي ما زال حارس القوة يمنعهم من الوصول إليها، وإن كان الأمر لن يبقى على ثباته الحالي.
أربع وستون سنة مرت على النكبة الفلسطينية التي فرَّخت نكبات وما زالت إرادتها قائمة وصامدة، كأنها شمس دائمة السطوع. انتكب الفلسطينيون في الخروج من أرضهم، ثم أصيبوا بالنكبات اللاحقة على نكبتهم. تجرع الفلسطينيون عذاب التطهير العرقي الذي لاقوه، في وقت تحملوا أيضا كل الأوضاع التي أفرزها تطهيرهم عند أشقائهم العرب. فمن حروب إسرائيل على العرب إلى حروب الداخل العربي إلى الانقسامات العربية التي أدت إلى شرذمة الفلسطينيين وخصوصا أثناء رفعهم راية الكفاح المسلح وهي ما زالت إلى اليوم ظاهرة للعيان. نكبتهم فعلت فعلها في العرب والفلسطينيين على حد سواء، أخذت المنطقة باتجاه مختلف عما كانت عليه تماما منذ اللحظة التي أقيمت فيها الغدة السرطانية إسرائيل، فجاءت صاعقة على الوجدان العربي وعلى الوحدة العربية وعلى تسخير الطاقت من أجل تنمية الداخل، وعلى الألفة والمحبة، وعلى كل ما يمت بصلة لعالم عربي يسعى لأن يكون له دور تحت شمس العالم. وها هو هذا العالم العربي يتخبط حتى في حراكه الذي تأملنا منه الكثير، يتنقل بين أوجاع الماضي وبين مجهولية الحاضر والمستقبل، ويبدو أن قسمته نجحت في جعل كل بلد منه “أولا” بين أقرانه، حتى ضاعت الأوليات بين اجتهادات قطرية سخيفة يراد لها الامتناع عن اللقاء بالقطريات الأخرى ومنع الود الذي يصادفه العرب خارج بلادهم عندما يتعرفون على بعضهم وهم يتداولون لغتهم السامية بكل عمقها الحنون.
ومع ذلك ما زال الفلسطيني متأهبا لحقه التاريخي رغم ما نزل به من عدوه التاريخي، ومما أفرزته قضيته على البلاد العربية التي سكنها تحت شعار المؤقت. وما زال أشقاؤه العرب على التصاقهم بقضيته كأنه ولدت البارحة، ولسوف تتغير ظروف قاهرة إلى إعادة النظر بما دخل على العالم العربي من موانع تجاه الصراع مع إسرائيل. الشيء الهام أن العرب اليوم ليسوا كالأمس ولن يكونوا غدا كما هم عليه اليوم. اللوحة العربية القادمة متغيرات مشدودة إلى عصب القضية الفلسطينية ولو أنها اتخذت طابعا محليا في كل قطر عربي.