قبل أكثر من عامين، قام الزملاء عماد رواشدة ومجدولين علان بتحقيق استقصائي حول الأوضاع في مراكز الأيتام في الأردن، وبعد أشهر من التحقيق والتقصي وما كان بحوزتهم وثائق وشهادات حية، تم نشر تحقيق بعنوان “تعذيب واعتداءات جنسية في دور لرعاية الأطفال الأيتام الإهمال سمة عامة لغالبية الدور في ظل عدم كفاءات كوادرها”.
الأسبوع الحالي وبعد عام من التحقيق والتقصي في مراكز التدريب والإيواء قامت الزميلة حنان خندقجي وبحوزتها وثائق وصور وشهادات حية بنشر تحقيق استقصائي بعنوان: “اعتداءات جسدية ولفظية على أشخاص ذوي إعاقة داخل دور رعاية خاصة”.
في القضية الأولي استنفرت وزارة التنمية السياسية للضغط على صحيفة الغد لسحب استنتاجات التقرير ومحاولة الحصول على أسماء المصادر التي قدمت المعلومات، كما وتم تحريك أحد الأيتام للقول إن الصحفيين أغروا الأيتام لقول ما قالوه مكذبا نتائج التحقيق.
وفي القضية الثانية قام وزير التنمية بزيارة مراكز رعاية وأصدر بيانا أعلن فيه عن تشكيل لجنة تحقيق طلب منها تقديم نتائجها خلال شهر، كما وقام جلالة الملك عبد الله بزيارة بعض المراكز المسيئة وأمر رئيس الوزراء بالتحقيق الشامل وتقديم من يثبت تورطه بالإسائة لذوي الاعاقات للقضاء.
ويبقي سؤال بسيط, ما هو سبب الاختلاف الكبير في التعامل مع التقريرين؟ قد يقول البعض إن الفرق هو الربيع العربي، وقد يقول البعض إن التحقيق الثاني كان أكثر توثيقا أو غير ذلك من الأسباب، إلا أنني أعتقد غير ذلك، فسبب الاهتمام المختلف بالتحقيق الثاني جاء لمعرفة الجميع وخاصة في هرم الحكم في الأردن أن التحقيق الثاني المحلي ترافق معة، الإعلان بأن تلفزيون الـ”بي بي سي” سيبث بالتزامن مع النشر محليا تقريرا حول نفس التحقيق.
لم تكن هذه أول مرة يهتم أصحاب القرار بموضوع محلي بسبب اهتمام الإعلام الدولي فيه، وقد تكون هناك أسباب أو تبريرات للسياسة المزدوجة.
فهناك من يعتقد أن السبب يعود لرغبة المسؤولين بإعطاء الانطباع الجيد للمجتمع الدولي، فطالما أن الموضوع محلي لا يهتم المسؤول ولا يشعر بأنه بحاجة إلى التفاعل مع الموضوع، في حين أن النشر في الخارج قد يؤثر على العلاقات والمنح الدولية ولذلك يتم الاهتمام أكثر بما ينشر في الخارج.
في حين قد يحاول البعض وضع اللوم على مهنية الصحفي المحلي بالمقارنة مع الصحافة الدولية، وقد يستطيع المسؤول المحلي أن يوضح أمثلة كثيرة لمهنية الإعلام الدولي مقارنة مع بعض التقارير المحلية، ولكن ذلك التبرير لا يكفي في ظل التقدم الملوس للصحافة المحلية في الأردن.
فالتحقيق الاستقصائي الذي نشر،على موقع “عمان نت” وعلى أثير راديو البلد وصحيفة الغد صباح الاثنين هو أساس التقرير التلفزيوني الذي قامت الـ”بي بي سي” بتصويره، فلولا العمل الصحفي الدؤب للزميلة حنان خندقجي ووحدة الاستقصاء في راديو البلد لما جلب الاهتمام الدولي من الـ”بي بي سي”.
لاشك أن هيئة الإذاعة البريطانية قامت بالتأكد من الاستنتاجات قبل أن يتم بث التحيقيق، إلا أن الحقيقة تبقي بأن الأساس في تقرير الـ”بي بي سي” هو العمل الصحفي المهني في الأردن.
لقد حان الوقت للمسؤولين في الأردن للتعامل بحدية مع الإعلام المهني الأردني والتوقف عن سياسة التعامل بالمكيالين، فعلى سبيل المثال تم إعلام وزارة التنمية بالمخالفات في العديد من المراكز قبل أشهر من النشر، ولكن لم يحرك أحد ساكنا. ولكن بعد النشر فقط، واهتمام جلالة الملك بالموضوع تحرك الوزير وأركان الوزارة.
أما المجلس الأعلى لذوي الإعاقات فحدث ولا حرج حيث مع انعدام التجاوب مع طلبات الصحفيين المتكررة، ومن الضرورة إعادة النظر بتشكيلة ومهام هذا المجلس والوزارة حيث كثرت المحاولات للتهرب من المسؤوليه حول ما يجري في الأردن بخصوص هذه الفئة المهمة والتي بحاجة إلى من يحميها ويدافع عن حقوقها.
في الختام يجب تقديم التحية للصحافة الاستقصائية ورائدتها شبكة أريج للتحقيقات الاستقصائية المؤسسة الرائدة في العالم العربي في الكشف عن المستور وتقديم أفضل أنواع العمل الصحفي المهني والذي يقوم بالرقابة على المجتمع ويعمل لمصلحة المواطن وخاصة الفئات المهمشة والتي بحاجة إلى من يدافع عنها ليس من يستغلها.
*مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي وراديو البلد وموقع عمان نت..