يواجه المركز الوطني لحقوق الانسان موقفا لا يحسد عليه منذ مدة ليست بالقصيرة وعلى الاخص منذ انطلاق الحراك الشعبي الاردني وتفاعلاته المتأثرة بارتدادات الربيع العربي قبل اكثر من عام, فلا هو قادر على كسب ود الجهات المشاركة في التظاهرات والمسيرات عن طريق قيامه بدوره كاملا في حال حدوث اي انتهاكات مهما كان نوعها لحقوق الانسان, ولا يحوز في المقابل على رضا الحكومة والجهات المتفرعة عنها اذا ما كانت له رؤيته التي لا تتطابق معها وفقا لنصوص قانونه التي تؤكد رصد المخالفات واصدار التقارير التي تكشف عنها وتدين من يرتكبونها.
يفترض التوقف مطولا عند البيان الذي رد فيه المركز الوطني لحقوق الانسان قبل ايام على جملة الانتقادات التي ساقها نشطاء الحراك الشعبي في هذا الشأن, واكدوا فيها تراجع الدور المناط به في متابعة انتهاكات حقوق الانسان, وانه لم يقم بواجبه كاملا في انفاذ ما يلزمه به قانونه وتبني مواقف واضحة في وضع الحقائق كاملة امام الرأي العام بحيادية وشفافية تامة تأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية اولا واخيرا.
يبدو ان ما اشعل فتيل الاحتجاج على المركز الوطني لحقوق الانسان اكثر من غيره ما جرى منذ مدة ليست بالقصيرة مع نشطاء حراك الطفيلة واسلوب فض الاعتصام على الدوار الرابع, وهذا ما دعاه الى التوضيح بانه قام بتشكيل عدة فرق لغايات تقصي الحقائق عن طبيعة الاحداث وما رافقها من ممارسات سواء من رجال الامن العام وقوات الدرك والجهات القضائية التي تولت توقيف النشطاء المعنيين, من خلال زيارة مواقع الاحداث ومقابلة من امكن مقابلتهم ممن شهدوا الاحداث او شاركوا فيها, ما استلزم بالضرورة الاستماع الى وجهات نظر الاطراف ذات العلاقة المباشرة لا سيما وزارتا الداخلية والعدل ومديريتا الامن العام والدرك.
لكن المركز الوطني لحقوق الانسان يخلص في بيانه الى ان الردود التي تلقاها من بعض الجهات الرسمية ذات العلاقة, لم تعالج التساؤلات الاساسية الواردة في تقاريره الموضوعة ولم تبين ايضا انها اخذت باي من التوصيات التي تضمنتها, وان كل ما تمخضت عنه الجهود التي بذلها في هذا السياق هو تلقيه في اخر محاولاته مع مديرية الامن العام في التاسع من الشهر الحالي, مجرد ابلاغ للمركز عن التوجه نحو تشكيل لجنة تحقيق في احداث الطفيلة والرابع وتسمية مندوب عنه لغاية المتابعة بعد ان انقضت مدة طويلة على تفاعلاتها المؤسفة.
ما قد يعمق من الاشكالية التي يواجهها المركز الوطني لحقوق الانسان في مثل هذه الظروف والاحداث انه موضوع “بين حجري الرحى” كما يقول المثل, فلا هو قادر على ارضاء من يطالبونه بالوقوف معهم من النشطاء ولا على محاباة الاجهزة الحكومية المتخصصة في الوقت ذاته, وهذا ما دعاه الى تأكيد التزامه بما يخوله قانونياً من صلاحيات في متابعة اي انتهاك لحقوق الانسان والعمل على انهائه بكل الوسائل المتاحة, وانه وهو يقوم بهذا الدور مستمر في التمسك باستقلاليته وحياديته ومنهجيته التي تعتمد على المهنية الكاملة واحترام المعايير الدولية, وهذا ما يتطلب تعاون جميع الاطراف معه واعطاء تقاريره وتوصياته ما تستحق من الاهتمام لا التجاهل مع سبق الاصرار!