شيء ما تغير في المزاج الرسمي حيال قرار رفع أسعار البنزين والكهرباء.انقلاب المواقف جاء بعد المرافعة الطويلة التي قدمها رئيس الوزراء فايز الطراونة، حول المبررات والمعطيات الخطيرة التي تفرض على حكومته اتخاذ هذا القرار الصعب شعبيا خلال أيام، في فترة تشهد البلاد توترا سياسيا غير مسبوق.
المعلومات تؤكد أن أكثر من استطلاع للرأي أجري خلال الفترة الماضية من قبل بعض مراكز صنع القرار، خرجت بنتائج متشابهة إلى حد ما. إذ حذر بعضها من اتخاذ القرار لخطورته على الأمن المجتمعي، فيما أكدت استطلاعات أخرى أن أكثر ما يستفز الأردنيين اليوم هو قرارات من هذا النوع.
آخر الاستطلاعات هو الذي أعلنه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية يوم أمس حول حكومة فايز الطراونة، والذي أكد بدوره أن الوضع الاقتصادي، وتحديدا ارتفاع الأسعار، هو أكثر ما يشغل الأردنيين ويؤثر في حياتهم. وهذه النتيجة ليست مفاجئة أو مختلفة عن تلك التي طالما خرج بها هذا النوع من الاستطلاعات، في ظل تراجع الظروف المعيشية للمواطن.
الحيرة والتردد كانا سيدا الموقف، وتأخر قرار رفع الأسعار أو إلغاؤه سيكون نتيجة الاختلاف بين جهات حكومية تريد اتخاذ القرار بأسرع وقت ممكن، تلافيا لتبعات خطيرة وأملا في الحصول على بعض الرضا من المؤسسات الدولية لتحصيل القروض الموعودة، والمقدرة بحوالي ملياري دولار من خلال نافذة تمويلية مخصصة للمملكة؛ وذلك في مقابل قرار أمني أكثر حساسية تجاه الفكرة، إذ جاءت التوصية بعدم رفع الأسعار في ظل الحالة السياسية السائدة، وإدراك أنه لم يعد بإمكان الأردنيين تحمل مزيد من النفقات والكلف التي ستفرضها القرارات على معدلات التضخم.
القرار لم يحسم بعد بالرفع من عدمه، وما يزال المسؤولون عن الملف المالي يصارعون أملا في اتخاذ القرار في ظل المعطيات الموجودة بين أيديهم، والتي تؤكد أن تبعات القرار اليوم ستكون أهون بكثير مما يمكن أن يحدث خلال الأشهر القليلة المقبلة، إن لم يتخذ القرار.
المخاطر في أذهان المسؤولين الاقتصاديين تتركز على نقص السيولة لدى الخزينة، وعجز الحكومة عن تغطية مخصصات بعض بنود النفقات الجارية، في حال لم تتمكن من توجيه رسالة حسن نوايا إلى الجهات الخارجية بشأن جديتها في الإصلاح.
في حال لم يتخذ القرار وتأجل إلى أجل مسمى، فإن التوقيت المناسب لاتخاذ القرار سيكون بالتأكيد عقب لملمة الصف، والتوصل إلى حلول وسط حول الإصلاح السياسي، تكون فيها المعارضة التقليدية وتلك الحديثة جزءا من المعادلة، بحيث يتوفر الجو المناسب لتمرير برنامج الإصلاح الاقتصادي، ويتسنى ذلك من خلال القوى السياسية المختلفة.
أهمية مشاركة القوى السياسية التي تنزل إلى الشارع أسبوعيا تتمثل في امتلاكها لميزة نسبية كبيرة هي الثقة المتبادلة مع المجتمع، والتي لم تعد موجودة لدى كثير من المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وهذه الميزة تحديدا افتقدتها الدولة على مدى سنوات، نتيجة اتساع الفجوة بينها وبين المجتمع، الأمر الذي يعطي هذه القوى قدرات وأدوات تمكنها من تمرير قرارات الإصلاح الاقتصادي.
في الأثناء، يتوجب على الفريق الاقتصادي إعداد برنامجه الوطني للإصلاح، بحيث يشمل الجوانب التشريعية والمالية والنقدية، وتلك المتعلقة بالإعفاءات والرسوم على قطاع التعدين. فيما يتوجب على كل الجهات المرتبطة بالإصلاح السياسي أن تدفعه قدما، ليتزامن الإصلاحان معا. وهذه هي الوصفة الوحيدة القابلة للتطبيق بدون ضرر وكوارث متوقعة.
استعادة الثقة مرتبطة بالإصلاح السياسي الحقيقي، ولا إصلاح ماليا واقتصاديا بدون ثقة.
الغد