قبل سنتين من الآن، هاتفني الناشط العمالي والسياسي لاحقاً السيد محمد السنيد ليدعوني لحضور احتفال عمال الحكومة بعيد العمال في مجمع النقابات المهنية. دعوته، كما قال مشكوراً، كانت تقديراً لي على دعمي لمطالب العمال في وزارة الزراعة عندما كنت في موقع المسؤولية، ووقوفي إلى جانبهم في بداية حراكهم العام 2006. قال لي: أعرف أن وضعك قد لا يسمح لك بحضور الاحتفال –وفي ذلك إشارة منه إلى احتمال تحرجي من تلبية دعوته كوني مسؤولاً سابقاً- لكن، والقول ما يزال للسنيد: يقتضي الواجب أن ندعوك تكريماً من العمال، وخاصة عمال الزراعة، لوقوفك إلى جانبنا.أجبته بأنه يسعدني أن أكون معهم، وسوف أكون أول الحاضرين، وشكرته على دعوته.
وكان الاحتفال فرصتي الأولى كي أستمع فيها إلى الناشط النقابي والتربوي المحترم الأستاذ مصطفى الرواشدة، الذي تكلم في الاحتفال بروح المناضل النقابي العنيد التي تبعث الاحترام له في نفس كل من يستمع إليه. بدا أردنياً قريباً من خط الفقر، ويتمتع بإرادة لا تهاب السير عكس التيار؛ ليس بلا هدف، ولا تعوزه الأداة، وممثلاً أميناً لرفاقه المعلمين وقضيتهم العادلة، بما يجعلك على يقين أن من اختاروه ممثلاً لهم بالغون مرادهم لا محالة.
كان الناشط مصطفى الرواشدة ثاني من استمعت إليهم من قيادات القوى الشبابية الصاعدة في ساحة العمل العام في مرحلة ربيعها. الأول كان، بطبيعة الحال، هو الناشط محمد السنيد الذي طالما استمعت منه الى مرافعات متماسكة عن حقوق عمال وزارة الزراعة، وغيرهم من عمال الحكومة
. ولمست عزمه الذي لا يلين في الدفاع عن قضاياهم التي لم يلتفت إليها أحد على مدى عقدين سابقين، حتى إن عاملة في محطة مرو الزراعية عندما تم تثبيتها العام 2006 كان قد مر على خدمتها كعاملة مياومة أربع وعشرون سنة. وأذكر أن مرافعة السنيد المتميزة جعلتني أكتب لهم بخط يدي رسالتهم التي أرسلوها إلى رئيس الوزراء حينها، وضمنوها مطالبهم العادلة من الحكومة.
وكان ذلك من جانبي حرصاً مني على أن تكون رسالتهم إلى الحكومة واضحة ومحددة في نقاطها وأولوياتها، مما قد يساعد في تفهم الحكومة لمطالبهم.
ثالث من استمعت إليهم من القيادات الأردنية الصاعدة هو الناشط سائد العوران، الناطق باسم حراك الطفيلة، الذي تأخرت في الاستماع إليه، للأسف، إلى حين مشاهدة حلقة معادة لمقابلة أجرتها معه مؤخراً إحدى الفضائيات الأردنية. وقد وجدت فيه شخصية الرواشدة وصورة السنيد؛ وطني مخلص، وناشط واع صلب، تمنيت لو أن كل مواطن أردني شاهد المقابلة، وفي مقدمتهم المسؤولون ومن بيدهم صناعة القرار، واستمعوا إلى ما قاله هذا الطفيلي الرائع عن سلمية الحراك، وأردنيته، ونقائه، وحرصه على النظام، واحترامه للقيادة، وإعلانه أن ذلك كله هو باعث إصراره ومن معه من شباب الطفيلة، على إعادة ترتيب الأجندة الأردنية لصالح من همشوا من أبناء المحافظات والفئات الفقيرة والمتوسطة.
معطيات الربيع العربي الذي كان لشباب الأردن سبق المبادرة السلمية فيه، تستدعي من إدارة الدولة الأردنية أن تكون مستعدة للحوار مع القوى الجديدة والشبابية الصاعدة من عمال ومعلمين وأبناء محافظات مهمشة. فتجاهل هذه القوى لن يكون في صالح أحد، وستكون الدولة هي الخاسر الأكبر من ذلك.
وعلى دوائر صنع القرار مباشرة حوار جاد مع القوى الصاعدة في المحافظات، والاستماع إلى وجهات نظرها والبناء على نتائج حوارها معها؛ فلا فائده ترجى من اللهاث وراء نخب عمان، أو اختصار المعارضة الوطنية في الحركة الإسلامية، أو بالنقابات المهنية التي كشف الحراك هشاشة موقف كثير منها وهي تكيل لدمشق بمكيال غير الذي تكيل به لعمان.
،الغد