أطلق السوريون أمس إشارة البدء بتطبيق مشروعهم الإصلاحي، وهم يتوجون خطواتهم النوعية في مشهد امتاز بطابعه السوري المميز والمعبر عن رغبة حقيقية في طي آخر الأوراق التي أفردتها الأزمة، وحاولت أطراف وقوى ودول أن تعتاش عليها لبعض الوقت.
وإذا كان هذا المشهد العنوان الحقيقي لمرحلة جديدة بمعاييرها ومستوياتها، فإنه في منطوق اتجاهه يمثل الحدّ الفاصل بين فترتين زمنيتين، لكل منهما حساباتها ومفاهيمها، وأحياناً كثيرة اعتباراتها التي لا تتطابق بالضرورة، لكنها تعكس إلى حدّ كبير الفارق ليس في الرؤية والاتجاه، وإنما أيضاً في الإرادة التي كسبت أمس جولة جديدة من اختباراتها المتعددة.
ولعل هذا الإدراك للفارق ذاك يستطيع تفسير الكثير من المعطيات التي كانت شاهداً حياً على تمسك السوريين بهذا المشروع في مناخ سياسي يملي حضوره على مستويات العمل المختلفة, ويقدم في الوقت ذاته رؤيته لعناوين المرحلة القادمة بكل ما يترتب عليها من مسؤوليات، ليس في الحساب التشريعي فقط، وانما أيضاً في الصيغ التي تمليها على مستويات مختلفة.
وهذا ما جسّدته مشاهد السوريين في مختلف مناطق حضورهم، حيث يكاد المشهد أن يتكرر في المنظور ذاته، وإن اختلفت الحسابات أو تباينت المعادلات بهذا القدر أو ذاك.
وحين يطلق السوريون مشروعهم هذا، ويعلنون بدء العمل، علينا أن نضع رسماً كلياً لمنظور يحاكي أغلب الجوانب التي تقدم مقارباتها لما تحقق، في وقت لا تخفي فيه نياتها الفعلية ولا إرادتها الحقيقية في إعادة إطلاق ورشة البناء على مستوياتها المختلفة، بما يترجم خطوات الإصلاح وفق تدرجاتها، وتبعاً لمرجعيتها.
في اليوم المميز ثمة إشارات عديدة، بل هناك محطات كثيرة تحتاج إلى التمعن.. إلى التدقيق.. إلى النظر بكثير من التأني في مدلولاتها وهي تعكس هذه الرؤية السورية بطابعها المميز، وبوجودها الحقيقي في حياتهم، وفي تطلعاتهم المشروعة لبناء سورية التي يتطلع إليها السوريون بطيفهم السياسي والاجتماعي الواسع.
وفي اليوم السوري أيضاً كان الفعل الشعبي والتصميم والإصرار الرسالة التي تحمل عناوينها العريضة في قراءة المشروع المستقبلي، وهي تتوج خطواتها الإصلاحية لتكون المعيار في تحديد الأسس الجديدة التي سيتم التعاطي بها في المرحلة القادمة.
قائمة الأولويات تتزاحم وتتسع باتساع تطلعات السوريين، وتتدرج في إلحاحها، بل في بعض جوانبها تخوض سباقها من أجل أن تفرض حضورها على أجندات العمل القادمة، وهذا ما سيجد صداه في الأيام القليلة القادمة.
السوريون الذين يجتازون الاختبار مرة أخرى ويحققون خطواتهم الفعلية على الأرض يجدون في تزاحم تلك الأولويات مقياساً لمدى الاستجابة لتطورات المرحلة القادمة بكل متطلباتها.. مرة أخرى اليوم السوري كان طويلاً وكان بإرادة فعلية وحقيقية وترجمة لتطلعات مشروعة، بل محكمة في تفاصيلها باتجاه تحريك جديد لمرحلة رسمها السوريون بصبرهم وصمودهم وتمسكهم بثوابتهم ومواقفهم.. بدورهم وموقعهم ليس على المستوى الأقليمي بل في العالم..!!