رائد جبر،، / نوفوستي /
تصادف موعد تسلم الرئيس الروسي المنتخب فلاديمير بوتين مهام ولايته الرئاسية الجديدة مع الانتخابات التي تجري اليوم في سوريا ، أغرى كثيرا من أفراد جوقة المطبلين الإعلاميين للنظام، لإيجاد روابط بين الحدثين بدت مضحكة حينا ومبكية أحيانا، على خلفية شلال الدماء المهدورة في المدن والقرى السورية تحت أسماع وأنظار العالم بمجلس أمنه ومؤسساته الإنسانية والحقوقية وبمراقبيه “الدوليين” الذين لم ينجحوا بعد أسابيع من بدء مهمتهم، في إنقاذ طفل في حلب أو حقن دماء إمرأة في إدلب.
،المضحك في الأمر، أن بعضا من “الشبيحة” الإعلاميين يصر عند تناوله الحدث الروسي الداخلي، أو علاقات موسكو مع العالم المحيط على استخدام مصطلحات وعبارات، فصلت على مقاس أنظمة الاستبداد التي تحكمت بحياة الشعوب العربية لعقود. وهكذا فإن بوتين بحسب التوصيفات المركبة سلفا، لا يعود الرئيس المنتخب بشكل شرعي وبأصوات 64 في المائة من الروس بل، يغدو “زعيم النهضة القومية العالمية التي تواجه الحلف الاستعماري الغربي” كما كتب أحدهم!
ويصبح لتصادف الموعدين بحسب المنطق “التشبيحي” الذي يحمل الأمور ما لا تحتمل “رمزية كبرى”،، لجهة الدلالة إلى نشوء “تحالف أممي” ضد قوى الاستكبار والهيمنة، يعمل على “مجابهة الحرب العالمية التي يقودها التحالف الاستعماري الغربي وتشارك فيها قوى إقليمية متورطة أبرزها عملاء الغرب في الخليج وتركيا ولبنان”.
هذه المقاربة التي يعمد إلى “فبركتها” أنصار النظام المدافعون عن قتل الأطفال بدم بارد في المدن السورية، تحتوي على إساءة بالغة إلى روسيا ورئيسها المنتخب.
لأن بوتين خلافا للموقف من شرعية وصول الرئيس السوري بشار الأسد إلى السلطة وشرعية الانتخابات التي يجريها حاليا، وصل إلى الرئاسة في انتخابات مباشرة، اعترف العالم بنتائجها، وحتى المعارضة الروسية التي وجهت انتقادات كثيرة بشأن انتهاكات تخللتها، أقرت بأن هامش الانتهاكات لا يصل إلى درجة التشكيك بالفوز المؤكد للزعيم الروسي.
وخلافا للموقف في سورية كذلك، جرت الانتخابات الروسية في أجواء عادية وبحضور مراقبين أجانب، ولم يكن صوت المدافع والدبابات التي تطوق المدن وتهدم الأحياء فوق رؤوس ساكنيها هو المسموع فيها.
ويكفي أن انتخابات مجلس الشعب السوري تحمل بصمة “الحل الأمني – العسكري” الذي يصر عليه النظام، وتشكل تكريسا لفهمه الأصلي لسبل معالجة الحراك الشعبي بصفته “مؤامرة خارجية”.
وتجري الانتخابات وعمليات الدهم والقتل مازالت تستهدف غالبية المدن السورية. ومهما تحدث النظام اليوم، عن نسب المشاركة وعن شرعية الاستحقاق، فلن يتمكن من التغطية على حقيقة أنها انتخابات قادتها دبابة، وأن الغالبية الساحقة من الشعب السوري وتشكيلاته السياسية بما في ذلك المعارضة الوطنية في الداخل رفضتها سلفا.
بعد ذلك كله، تبدو محاولة ربط الحدث السوري مع تنصيب بوتين رئيسا مثيرة للشفقة.
لكن الأهم من ذلك كله، أن روسيا ورئيسها المنتخب لم يتحدثا يوما عن “تحالف ضد جبهة الاستعمار الغربي” بل وعلى العكس من ذلك، أعلنت موسكو بوضوح أكثر من مرة أن الأسد ليس حليفا لها، وأن موقفها ينحصر في رفض أي تدخل خارجي لإزاحة نظام.
والرئيس المنتهية ولايته دميتري ميدفيديف كان واضحا عندما حذر الزعيم السوري من “مصير محزن” ينتظره.
ولا يخفي مقربون من الكرملين أن الموقف من الأسد ليس جديدا، فهو لم يكن يوما حليفا لموسكو، ويكفي أنه زار روسيا للمرة الأولى بعد مرور خمس سنوات تقريبا على تسلمه منصبه، وبعدما ساءت علاقاته مع الغرب تحديدا.
أيضا، أشار خبراء بارزون أكثر من مرة خلال الأسابيع الأخيرة، إلى أن موسكو باتت واثقة من أن نظام الأسد آيل للسقوط، وأنها تبحث عن “تخريجة” مناسبة تحفظ لها مصالحها مع الغرب.
اللافت في تحليل عباقرة “المطبلين” للنظام أنهم ينظرون إلى الموقف الروسي حيال الأزمة السورية من زاوية واحدة، تقوم على أن موسكو “تدافع عن حليفها الأخير في المنطقة” وأن الروس يخوضون معركة للدفاع عن سورية ضد الغرب.
في هذا الفهم قصور واضح، لجهة أن الموقف من سورية استدعته عناصر دولية عدة وليست إقليمية، وبعبارات أوضح يكفي إيراد ما قاله الخبير الروسي البارز فيودور لوكيانوف وهو رئيس تحرير مجلة “السياسة الدولية” المرموقة التي تصدرها الخارجية الروسية، في مقابلة مع صحافية لبنانية أخيرا،، قال الرجل:
“بالنسبة إلى روسيا هذا النظام انتهى، وموسكو خسرت سورية في الحالين، فحتى لو بقي الأسد في موقعه لفترة بحكم الظروف الدولية، لن يكون بمقدور روسيا أن تتعاون معه، وإذا سقط سنخرج من هذا البلد… وما يهم الكرملين فعلا لم يعد محصورا في سورية، وتمسك موسكو بموقف حازم له أبعاد أهم من ذلك، ويتعلق بالسياسة الدولية إجمالا، إن موسكو تريد من خلال موقفها أن تكون سورية آخر خسائرها بهذه الطريقة، أي أن لا يتكرر فقدانها لمصالح حيوية في بلدان أخرى بنفس الطريقة وعبر مساعدات خارجية”.
تبدو العبارات واضحة ولا تحتاج لتأويل، فهي تضع المواقف الروسية في سياقها الصحيح، مهما كانت الرغبة أو الحاجة عند النظام السوري للعب على وتر “التحالف الدولي الاستعماري” ومهما بدت صعوبة تبرير الموقف الروسي من الناحية الأخلاقية. ففي السياسة لا مكان للأخلاق.