سواء شئنا أم ابينا فان الحراك المحلي بكل تنوعاته قد اصبح حقيقة واقعة في حياتنا وجزءا من اللعبة السياسية يؤثر ويتاثر بها ، ويلقى اصداء واذانا صاغية .هناك كثيرون لديهم تحفظات كثيرة على اداء بعض الحراكات، واساليبها واهدافها ولكنهم في نهاية الامر ليسوا ضد الحراك بصورة مبدئية، فهم مقتنعون انه لولا الحراك لما تم الاطاحة بعدد من الحكومات، ولولا الحراك لما تم محاسبة فاسدين وتحويلهم للمحاكم .
وفي ظل فقدان الثقة بالحكومات، فان المواطنين يعتقدون، بانه لولا الحراك لما تم تعديل اكثر من اربعين مادة في الدستور، والاهم من ذلك ان المواطنين ينظرون للحراك كحائط صد قوى ضد رفع الاسعار .
لذلك فانك تجد عشرات من الاصوات الرافضة لنقد الحراكات في الندوات والمحاضرات، لدرجة تصل الى حد تجريم كل من يوجه انتقادات الحراك او بعض ادائه .
ربما يكون هنالك بعض الانزعاج من الافراط في المسيرات، والمظاهرات عند المواطنين، ولكنهم يرون ان هذه “ الحراكات “ حققت وتحقق جزءا كبيرا من مصالحهم خصوصا في ظل وقوف اجهزة الدولة في مربع ردة الفعل، وليس الفعل نفسه، وافتقادها للمبادرة في استقراء نبض الشارع واستباقه بتحقيق خطوات اصلاحية ترضي الناس وتعزز ثقتهم بالدولة .
لماذا لا نحاكم فلانا وعلنتانا، الابعد خروج بضع مظاهرات تتهمه بالفساد وتطالب، بزجه خلف القضبان ولماذا تم رفع اسعار الكهرباء مادامت الحكومة، تستشرف ردة الفعل التي ستجبرها في النهاية على اعادة النطر بهذا القرار وكيف تقر قانونا للانتخاب تعرف مسبقا انه لن يمر .
لماذا يحدث كل هذا النيل المجاني من هيبة الدولة وسمعة مؤسساتها وتعثر خطاها بما يفتح المجال امام المزايدات وتسجيل المواقف .
هنالك ارادة حقيقية لاصلاح يتوافق عليه غالبية الاردنيين على اختلاف فصولهم واصولهم، ومساراته ومداراته واضحة للجميع حكاما ومحكومين والحكومات المختلفة كانت قادرة على استشراف تفاصيله ولكنها في نهاية المطاف لم تفوت فرصة منح شرف تحقيق هذه الاصلاحات “ للحراك الوطني حكومات الربيع الاردني التي وصل عددها اربع حكومات لم تتحرر من معادلة الاستجابة لضغوط الشارع في مجمل القرارات التي اتخذتها، في الوقت الذي كانت فيه هذه الحكومات قادرة على تلمس المطالبات الشعبية وتحقيقها بمعزل عن تاثير الضغوط .
اذا كان رأس الهرم السياسي يعلن انه مع الحراك فلماذا، لا تفهم حكوماتنا عقلية الحراك ومطالبه، وتعمل على تحقيقها قبل ان تهدر من رصيدها وشعبيتها في ميادين الاحتجاج وساحات المسيرات .
ان بطء الحكومات وافتقادها للمبادرة يعزز من شعبية الحراكات الاردنية ويضاعف من مناصريها ويزيد من حدة عنفها اللفظي في كثير من الاحيان في الوقت الذي تتقلص فيه سطوة الدولة ومصداقية الحكومات ويتعزز التساهل في تطبيق القانون وانحسار هوامش المناورة .
الناس لا يدققون في تلاوين الحراك وتفصيلاته، ومن يركب موجته وكيف تم اختطاف جزء كبير منه من قبل القوى المنظمة التي كشفت عن برنامجها الخفي في التوجه نحو الاستيلاء على السلطة، وكل ما يعرفه الناس ان هذا الحراك يحمي مصالحهم في المدى القريب .
لا نعتقد ان الحكومة الحالية بتركيبتها قادرة على مغادرة الخندق الذي حشرت الحكومات السابقة نفسها به ، واتاحت للحراك التحكم بادائها، وانتظاره حتى يتم تحفيزها .
الحكومة الحالية لديها فرصة لتوسيع قاعدتها الجماهيرية واستعادة هيبتها من خلال استباق الحراك وليس انتظاره، حتى لا يتكرس الحراك كشرعية جديدة لا سمح الله !!