خرج محمد ذو الثالثة عشر ربيعا من عمره في عام 2011 من مدرسته بعد إصرار معلمته على كلمتها قولا وفعلا ” نعم للعنف ، لا للحوار”.
محمد سرعان ما رضخ للأمر الواقع واختار مرافقة والده في عمله كبائع ملابس في احدى محلات “البالة” في وسط البلد، في مسعى منه لتحقيق ذاته وهو صغير بدلا من ان يتم توبيخه في مكان لطالما اعتقد انه مستقبله.
يقول محمد ” عندما بدأت مبادرة مدرستي سعدت جدا بها حيث كان خطابها “لا للعنف … نعم للحوار” واعتقدت انها ستكون بداية لأتعلم اكثر واصبح ما اريد في المستقبل، إلا أن ما فكرت به لم يحصل منه شيء”.
ويتابع ” استمرت معلمتي بتعنيفي انا وزملائي في المدرسة متفادية لمبادرة مدرستي”
ويضيف محمد انه وبعد المدرسة كان يرافق والده للعمل ويبقى معه حتى الساعة الحادية عشر ليلا، الا أنه قرر ترك المدرسة والالتحاق بالعمل، واشار محمد هنا “انه ما زال صغيرا لتحقيق مستقبله العملي فبدلا ان يكمل دراسته وينهيها عند العشرين سيكون من خلال عمله وحتى ذلك العمر قد اصبح معه مال كثير قد يغنيه عن الدراسة”
وفي رده على سؤال حول مدى رغبته في العودة الى المدرسة قال “انه يود ذلك لكن تفكيره بتعنيف المعلمة له يمنعه من ذلك”
قصة محمد اكدها عدد من زملائه في الصف وقالوا ان محمد ليس الوحيد الذي يفكر بترك المدرسة للالتحاق بسوق العمل، وأشار جعفر ان العديد من زملائه يعملون بعد المدرسة ومنهم من يهرب في فترة الاستراحة للالتحاق بعمله.
لا توجد لدى وزارة التربية والتعليم أو التنمية الاجتماعية أو أي من المؤسسات المعنية بالطفولة أية إحصاءات سنوية عن أعداد الأطفال الذين هجروا مقاعد دراستهم، باستثناء دراسة أجريت من قبل وزارة العمل في العامين 2000 و2001 ودراسة أجريت في العام 2007 من قبل دائرة الإحصاءات العامة.
وقانونيا يُحرّم قانون العمل الأردني تشغيل الأطفال تحت سن 16 عاما، وينص على ألا يعمل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 18 عاما أكثر من 6 ساعات في اليوم، ويفرض على أصحاب العمل المخالفين غرامة قدرها 500 دينار في حال تم ضبطه متلبساً بتشغيل الأطفال.
بسمة وهو اسم مستعار لفتاه لم اعرف اسمها، حكايتها بدأت عندما رن جرس المنزل واذ بفتاه لم يتجاوز عمرها العاشرة تطلب بعضا من المال لشراء الحليب لشقيقها الصغير، وبعد تبادل الحديث معها سالتها عن المدرسة فقالت ” اخرجني ابي من المدرسة وقال لي عليك ان تجني المال لي ولأشقائك”، بسمة قالت وهي تحاول منع نفسها من البكاء “أود ان اذهب للمدرسة مرة اخرى والعب مع صديقاتي من جديد”.
بسمة التي تخرج منذ ساعات الصباح الأولى لتعود آخر الليل نسيت طفولتها ومدرستها وحتى صديقاتها، بسمة وخلال يومها الطويل تتعرض للتعنيف اللفظي من قبل المواطنين الذين تطلب منهم بعضا من النقود لكنها تتقبله بابتسامة حزينة حتى لا تعود للمنزل وتوبخ من قبل والدها.
الأردن وقع على اتفاقية حقوق الطفل العالمية والتي تعترف بحق الطفل في التعليم وما تنص عليه المادة 28 من الاتفاقية: جعل التعليم الابتدائي إلزاميا ومتاحا مجانا للجميع، تشجيع تطوير شتى أشكال التعليم الثانوي، سواء العام أو المهني، وتوفيرها وإتاحتها لجميع الأطفال واتخاذ التدابير المناسبة مثل إدخال مجانية التعليم وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة إليها، اتخاذ تدابير لتشجيع الحضور المنتظم في المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة.
ويكفل ميثاق الحقوق الخاص بمنظمة اليونسكو “حق الطفل في التعلم والنهل من معين التعليم الأساسي” وهذا النص صدر وفقاً لقرارات مؤتمر اليونسكو لعام 1990م- ومؤتمر داكار لعام 2000م.
محمد ابن الرابعة عشر ربيعا من عمره يعمل مع والده في بيع الأدوات المنزلية قال إن :” حاجة والدي لمساعدته في توفير الحياة الكريمة لكافة أفراد الأسرة جعلنا نعمل معه في هذه المهنة وجعلنا نبتعد عن الدراسة ” مشير إلى أنه يعمل وأخوته في نفس المهنة .
وأوضح محمد أن :” التعليم أصبح يحتاج إلى الكثير من المصاريف ويتطلب الانتظار لسنوات للحصول على وظيفة وهذا يمكن اختصاره بالتركيز على العمل الذي يحقق الدخل المادي وبسرعة ودون عناء الدراسة”.
أما عامر ابن الثلاثة عشر عاما فيعمل منذ نحو عامين في ورشة لتصليح السيارات في وادي الرمم يقول ” أتعرض بشكل يومي للشتم والسب وأحيانا للصفع على وجهه من زملائي البالغين في الورش الأخرى”، لكنه يضيف أنه يشعر بالسعادة مع نهاية كل يوم عندما يستلم اجرته اليومية ويعود فيها إلى المنزل.
ورغم أن قانون العمل الأردني يحظر عمل الأطفال ويفرض عقوبات وغرامات مالية على أصحاب العمل إلا أن الأرقام الخاصة بمسح العمالة والبطالة التي أجرتها دائرة الإحصاءات العامة الأردنية عام 2007 – 2008، تشير إلى أن نسبة الأطفال العاملين من مجموع القوى العاملة في المملكة تبلغ حوالي 2%، وغالبيتهم من الذكور، ويعمل معظمهم في أعمال حرفية وصناعات يدوية ولساعات طويلة.
المصدر: المرصد العمالي