هل يمكن توظيف الحالة السياسية والاجتماعية التي تشكلت مع الربيع العربي في إنشاء حياة سياسية حقيقية تتجاوز رواية الاستقلال التي شكلت التيارات القومية واليسارية والإسلامية إلى رواية الحرية والكرامة وما يفترض أن ينشأ حولها من إصلاح سياسي واقتصادي وتيارات سياسية اجتماعية مستمدة من تطلعات الطبقات والمجتمعات وما تطمح إلى تحقيقه والوصول إليه؟
أعتقد أنها اللحظة المثالية لتنشأ تيارات وأحزاب ليبرالية واجتماعية حول قاعدة اجتماعية حقيقية ترتبط مصالحها وتطلعاتها بهذه البرامج والأفكار.
مشكلة الحياة السياسية القائمة في بلادنا أنها تواصل استخدام الأدوات والروابط السابقة للربيع العربي في العمل والتجمع دون استعداد للمبادرة او المغامرة بمحاولة إعادة تشكيل المجتمعات والطبقات، ويواصل قادة العمل السياسي الرسمي والمعارض اعتقادهم بأنه مايزال ممكنا/ مناسبا حشد الناس وتجميعهم على أساس الروابط الدينية والقرابية العشائرية والجغرافية.
لماذا لم تتطور الحياة السياسية بعد أكثر من سنة ونصف من الحراك الشعبي والجماهيري، وتكاد تؤول/ تعود إلى حالتها السابقة من تنافس بين النخب والقوى السياسية والاجتماعية نفسها التي كانت تدير المشهد السياسي؟
ربما كان الحراك الشعبي في حداثته وعدم نضج تجربته وأفكاره ووعيه للإصلاح وما يطمح بالفعل الى تحقيقه وانقطاعه عن العمل العام والسياسي في المرحلة الماضية سواء في طبيعتها او محتواها وتنظيمها وجمهورها وقيادتها يحمل قوته وضعفه في آن معا، فقد كان ممكنا قيام تشكلات سياسية وبرامجية جديدة متصلة بالأهداف والأفكار الجديدة المنشئة للحراك الإصلاحي والربيع العربي بعامة، بدلا من صيانة ودعم الأفكار والمواقف السابقة والراكدة في الحياة السياسية.
السلطة التنفيذية أيضا كانت تملك فرصة كبيرة في توظيف الشعور بالظلم، والاحتجاح القائم على الفساد والفجوة الاقتصادية والاجتماعية في حوار حقيقي ينشئ قاعدة سياسية واجتماعية جديدة للعمل وتقديم قيادات سياسية ونيابية جديدة تعبرعن هذه المشاعر والتطلعات من المنظومة الاجتماعية نفسها والمحسوبة على السلطة التنفيذية والمؤيدة لها، بدلا من مواصلة الرهان على/ الاستثمار في طبقة سياسية أصبحت في نظر الناس مسؤولة عن الفشل والفساد، وأن تبدأ بالفعل في عمليات ارتقاء بالخدمات والمؤسسات والمرافق، ولكنها (السلطة التنفيذية) ظلت متورطة في مصالح طبقية وفي الدفاع عنها بدلا من المصالحة مع الناس والاعتراف بالخطأ والمسؤولية وبناء تحالفات سياسية واجتماعية جديدة، واستقطاب فئات اجتماعية ومهنية واسعة من الطبقة الوسطى والمثقفين، ولكنها بدلا من ذلك لجأت إلى الفزعات وحشد المجاميع والانصار من غير مضمون أو دافع حقيقي وفي مواجهة عدو مفتعل/ غير موجود، وواصلت العزلة عن الفئات المثقفة والمهنيين والقادة الشباب الاجتماعيين والسياسيين، وأصرت على تجاهل أدوات الفاعلية الحقيقية في المجتمع والعمل السياسي مؤثرة عليها الإعلام وأنصار المهرجانات دون أن تلاحظ القدرات والأفكار والمواقف والفرص الجديدة التي تمتلكها المجتمعات.تحتاج الحكومة أن تدرك أنها في مواجهة مع المجتمع والطبقات الوسطى وليس مع الحركة الإسلامية
الغد