في معمعان الحرب العالمية الأولى, وفي 9-12-1917 دخل الفريق اول إدموند_ هين_مان_ اللنبي مدينة القدس , وترجل عن حصانه في باب العمود, احتراما لقداسة المدينة وسار على قدميه لزيارة كنيسة القيامة وليقدم صلاة الشكرلله لسقوط المدينة وليضيء شمعة عن روح ابنه مايكل الذي قتله الالمان على الجبهة الغربية قبل ذلك بشهرين , واعلن من على مدخلها الرئيسي وامام ممثلي القوات المشاركة في حملته من الهنود والكنديين والاستراليين انتهاء اربعمائة عام من الحكم العثماني.
وفي تلك الفترة الزمنية غـَلـَّف غبار المعارك جميع ارجاء شرق الاردن واستضاف اهالي أيدون العقيد مصطفى كمال اتاتورك لمدة اسبوع , وقاومت الجيوش التركية مع قياداتها الالمانية , ولإسبوع واحدٍ فقط , مدافع الكتيبة الاسترالية التي اقامت استحكاماتها ومعها فصيل الخيالة في طف النبي يوشع عليه السلام حيث تمركزت في منطقة جـَلـْعـَاد وعين سـِعـْدى بين تلال زي والمصلى العالية المشـْرفة والمتحكمة استراتيجاً وعسكرياً بجميع المنطقة , عندئذٍ شعر ابناء السلط ان قوات الغزو البريطاني الاسترالي ستجتاح مدينتهم إن عاجلا او آجلاً , وستمارس كل انواع البطش والنهب والاستبداد والقتل التي سبق ان اقنعتهم بها اجهزة الدعاية التركية والقائم مقام جواد باشا وذلك باعتبار ان الغزاة الجدد سيقتلون المسلمين في المدينة فرداً فرداً بمذابح مماثلة لما فعله الصليبيون في مسلمي المسجد الاقصى عندما امتلأت باحاته بالجثث, وعلى غرار ما فعله التتار وهولاكو بالمسلمين في بغداد ودمشق في غابر الايام .
،ونتيجة لتلك الاجواء , غدا من الطبيعي ان يهرب عدد قليل من أهالي البلد , سيراً على الاقدام , وطلباً للأمان , الى دمشق والقدس أوالى الاماكن الاخرى البعيدة عن روائح البارود.
ونزحت احدى العائلات , تاركةً خلفها العجوز المقعد المشلول الذي اصابه الجذام وسال لعابه الى ركبتيه , فلم يكن حمله الى القدس سهلاً او آمناً.وتركوا الى جانبه بعض الخضروات والمياه والسكر والخبز على امل العودة عاجلاً اوبعد حين .
وبعد أيام ,ولدى توجهه الى صلاة الفجر , سمع إمام المسجد المجاور انين المجذوم في عتمة الليل الكاحل من صقيع الكوانين وشتائها القارص, فتوجه اليه وصـُعـِق لما رأى , فاطعمه وحممه ورعاه لمدة سبع وثلاثين يوماً حتى انقشع غبار المعارك , وعاد الى السلط من نزح منها, واستقر الحكم الجديد.وعاد ابناء الاخ من القدس , ليجدوا عمهم المقعد المجذوم في حلة جديدة من الملابس , وفي صحةٍ افضل مما تركوه عليه , مستبشراً ومرحباً بقدومهم.
وبعد اسبوعين من عودة النازحين , جاء مطران الكنيسة الارثوذوكسية من بيت لحم الى « الـبـَيـَّاضـَة في السلط» ليشكر إمام المسجد على ما قدّم للمقعد المجذوم خلال فترة « الفـَلـِـة « التي تميزت بانها شديدة القسوة والضنك على جميع عائلات السلط . وليستغرب كيف لم يـَخـْشَ انتشار العدوى اليه والى عائلته فكان جواب المغفور له أمام المسجد إنه» ديننا دين المـَرحـَمـَة والمَكـْرُمة «.