الذكرى الخامسة لسقوط بغداد
بقلم : محمد يونس "ابو احمد"
أذكر المشهد جيدا و لم إدرك جيدا ما حدث انذاك , أذكر أنّ كارثة رهيبة حلّت و لم أدرك أنّ الموت أصاب بغداد , أمتدت الكارثة و إنتشرت و لم أدرك أنّها ستشمل دول الجوار , أصابت أمتنا العربية بسرطان جديد و لم أدرك أنّ السرطان خطيرا إلا بعد أعوام .
كنتُ أتابع الأخبار بصمتٍ مؤلم , كنتُ أنتظر الفرج كما الأغبياء ينتظرون النصر , أحمق من ظن للحظة أنّ العراق سينتصر في تلك الحرب المستمرة , و كيف للعراق أن ينتصر و نحن إجتمعنا عليه و شاركنا بصمتنا الغريب قتله و تدميره , رغم أنني كنتّ الأحمق الأول و لكن لم أكن الأخير .
بغداد كانت جميلة بل كانت الأروع , بغداد كانت عربية بل كانت الأعرق , بغداد كانت ثمينة بل كانت الأغلى , و هذا هو نصيب الرائع و العريق و الغالي إحتلال و ظلم دام خمس سنوات و سيبقى إلى أجل مسمى , لا نعلم متى و لكن ما نعلمه أن الطماع لن يخرج أبدا .
يوم التاسع من نيسان عام ألفين و ثلاثة كنتُ في محاضرة خاصة أدرس مع معلمي مادة الرياضيات و نتابع على شاشة التلفاز سقوط بغداد , كنا ندرس التفاضل و النهايات و لم نتوقع حسابيا أن تكون هكذا نهاية الأفاضل , و لم نحتمل أبدا ذلك المشهد المخزي و المؤلم , رغم أنّ الإحتمالات كثيرة إلا أننا كنّا نرفض و بشدة إحتمال السقوط فجأة .
سقط الصنم و سقطت بغداد معه و سقط من الأحرار دمعه ما زالت إلى الآن , لم تكن دمعتي على ذلك الصنم و لم أبكي صنما بل بكيتُ تاريخاً كان الصنمُ شاهدا عليها , بكيتُ شموخاً و حِكمةً أقامت العراق , نعم إحتاج العراق أن يُحكم بتلك الحِكمة , و هذا أفضل بكثير أن تحكمه ميليشات و خوارج صنعها إحتلال غاشم .
لا أريد أن أتحدث عن نشرات الأخبار و القصف و التدمير و القتل و الإغتصاب و التشريد و الهجرة و النزوح و الظلم و ابو غريب و المليشيات و الصحوات و المليون شهيد و غير تلك الأمور التي ما زلنا نشاهدها و التي صنعها جيش ظالم جاء بأمر سام و هو سام , جاء قائلا الديمقراطية فنشر الخراب و عاث في الأرض الفساد .
خمس سنوات مرّت على تلك الفاجعة , فاجعة سقوط بغداد , و الغريب أنّ الحياة ما زالت مستمرة و ستار أكاديمي مستمر و بغداد تتألم و تتوجع من نار المحتل و سوبر ستار كان هو الحل حتى ينسى شبابنا دماء العراق , و الغريب أكثر عندما تسأل شاب في العشرين من العمر متى سقطت بغداد ؟! يقول لكِ لم أكن مولود آنذاك .
حبيبتي بغداد .. أعلمُ أنّكِ الآن أسيرة , و لكن إعلمي أنّكِ في قلبي حرّة , أعلم أنّك الآن شهيدة و لكن إعملي أنّكِ في قلبي لا تموتين , أعلم أني لا أقدر على مقارعة المحتل و أعلم أنكِ قلتِ أني خائن رخيص الثمن , و لكن قدري هو الصمت فاصبري فأنّ الحرارة تشتعل بصدري و قد حان موعد النصر ِ .
بغداد تألمي و اصرخي أكثر فأكثر علّ صراخك يصل و لكِ نصل ومن الرجال النصر .
أظن أنّ صوت بغداد لم يصل إلى الآن رغم مرور خمسة أعوام , و لذلك أريد أن أصرخ بأعلى صوتي و أقول ( يا عباد و اللهِ سقطت بغداد ) , أعلم أنّ صوتي خرج من حنجرتي و لكنه لن يصل باب بيتي .