حين يكتشف المواطن أن (4) حكومات عجزت في عام ونصف عن دفع عجلة الاصلاح الى الامام، وعن اقناع الناس المحتجين بالعودة من الشارع والجلوس إلى الطاولة، وحين يبعث الملك في مرتين متتاليتين – على الاقل – برسائل “احتجاج” الى آخر رئيسي وزراء بسبب تآخرهما في انجاز “المطلوب”، فان أول ما يتبادر الى أذهان الناس سؤال واحد وهو: أين المشكلة؟ في الحكومات الأربعة ووزرائها “المئة” أو أكثر قليلا، أم في “الشارع” الذي “لا يعجبه العجب”، وربما تتفرع أسئلة اخرى هل الحكومات جزء من المشكلة؟ هل الخلل في الأشخاص أم في المقررات والسياسات؟ في الارادة أم في الرغبة أم في القدرة؟ في مشروع الاصلاح المطلوب أم في الثمن الواجب دفعه؟
لا يمكن – بالطبع – أن نهرب الى تجريب حكومة خامسة، فكل الحكومات وان اختلفت في الاسماء والمهمات والقدرات والطواقم هي “نسخ” تبدو متشابهة، وكل “الوصفات” التي تصدر بمراسيم حكومية تكاد تكون صورة طبق الاصل؟ ما الحل إذن؟ وكيف يمكن ان نخرج من هذه “الازمات”؟ والأهم هل يمكن ان “نكيف” خطاب الشارع المحتج باتجاه “لوم” الحكومات والبرلمانات فقط؟ أم ان انعدام ثقة الناس بهذه المؤسسات سواء بسبب فشلها أو افشالها في فهم وتحقيق ما يريدونه سيدفع بالضرورة للبحث عن عناوين اخرى يجري تحميلها مسؤولية ما حدث؟.
هذه – بالطبع – نقطة خطرة يفترض ان ننتبه اليها قبل ان نستغرق في “الاحتفاء” بحكومة قادمة بعد وداع حكومة اخرى، وقبل ان نوجه نقاشاتنا العامة حول “برنامج” الحكومة الجديدة، أياً كان رئيسها، فالاردنيون – للاسف – أحبطوا من أداء الحكومات ومن أداء البرلمان، وحتى الذين لا تشغلهم السياسة أصبحوا “قلقين” جداً من “كارثة” الاقتصاد، مما يعني اننا أمام أزمة “مركبة” سياسياً واقتصادياً وان حلولها المطروحة في سنة ونصف – على الاقل – فشلت تماماً، بمضامينها وآلياتها.. و”اللغز” هنا أننا ما زلنا مصرين على الاستمرار في الذهاب الى “الصيدلية” ذاتها، مع ان معظم الوصفات التي تلقيناها تبدو مغشوشة تماماً.
الآن، يمكن ان نقرأ المشهد من زاوية اخرى: ثمة “استعصاء” آخر على صعيد الشارع، فقد ثبت بأنه حتى الآن غير قادر على “اختراق” جبهة “خصومه” ولا على “ابداع” مضامين وآليات جديدة تدفع الى الانصات له والاستجابة لمطالبه.
البعض – بالطبع – يسعده هذا “الاستعصاء” القائم على الطرفين، وربما يستثمره لمزيد من التأجيل بانتظار ما يطرأ من مستجدات داخلية وخارجية، لكن ما لم ينتبه اليه هؤلاء هو “الاغلبية” الصامتة التي لم تخرج بعد، وسؤال “الصمت” هنا لا يمكن فهمه في ظل قراءة حصيفة للواقع الا في اتجاه واحد وهو: الانتظار الممزوج بالخوف والامل، لكنه انتظار – ربما – لا يمكن السيطرة عليه او تجييره، وفي حساب “ضد الاصلاح” كما لا يمكن التنبؤ بموعد انقطاعه وخرقه.
باختصار، ثمة تجارب “حكومية” فاشلة، وثمة “حركة” غير منظمة في الشارع، وثمة “لاعبون” جدد يقفون على الشرفة، وثمة “اغلبية” ما تزال مترددة.. وكل هؤلاء جزء من المشكلة وجزء من الحل ايضاً.. اما المخرج الوحيد الذي يمكن ان ينتصر لمنطق الدولة.. فهو واحد: الاصلاح الحقيقي الذي يُدفع ثمنه بالكامل دون شعور بالخوف او الاستقواء او المنّة من أحد على أحد.
لقد جربنا كل ما لدينا من خيارات، فيما بقي خيار “الفرصة الاخيرة” هذا الذي ما زلنا نصرّ على الابتعاد عنه.. رغم ان ثمنه ارخص بكثير مما دفعنا في السنة والنصف الماضية.. ومما سندفع مستقبلا اذا لم ننتبه لما يتغلغل داخل مجتمعنا من أنين وفي الخارج من نحيب وصراخ.