ارشيفية
إنها إذا لعبة المركز والأطراف تلك التي أدت لإستقالة مدوية كان بطلها رئيس الوزراء الأردني السابق القاضي الدولي عون الخصاونة وإنتهت فورا برئيس جديد للحكومة من الحرس القديم يردد من أول غزواته التشاورية الكلاشيهات القديمة على شكل نغمات سياسية إستفزازية يرفع فيها عدة “لاءات” تشمل التفاهم مع الأخوان المسلمين وأي صياغات متطورة للإنتخاب بعيدا عن قانون الصوت الواحد سيىء السمعة والصيت كما تشمل الحوار مع القوى السياسية ونخب عمان المتفرغة “للطحن السياسي”.
ونفس الكلاشيهات التراثية تكررت أيضا فلا يجوز أن يحصل أشخاص على الجنسية الأردنية بدون وجه حق رغم أن الدستور يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات كما قال الطراونه على هامش المشاورات النيابية قبل ان يلمح مقربون منه إلى ان الرجل يخطط لإحياء وزارة دفنت منذ عشر سنوات هي وزارة الإعلام تطبيقا لفكرته السياسية المركزية التي يقول فيها “الأردن يحتاج لتطوير وليس لإصلاح”.
بعد ذلك وبوضوح يغادر الرئيس المكلف فايز الطراونة بسرعة عمان وصخبها كمركز ويتجه للأطراف التي تتحرك منذ 14 شهرا ضد النظام في محاولة لكسب الود و”ترميم” العلاقة بين النظام وحلفاء الثقل العشائري أما عمان فلتذهب هي ونخبها وأحزابها ومشايخها إلى الجحيم كما يرى الناشط السياسي محمد الحديد الذي يلاحظ بهدوء بأن الطراونة يتصور بأن هذه اللغة ستعيد إنتاج الحراك الشعبي في المحافظات وترمم تحالفات النظام القديمة في وصفة بائسة سياسيا لا أحد يعرف كيف إقتنع بها بعض رموز القرار.
عمليا قال الطراونه مبكرا للأخوان المسلمين: لن أسألكم ولن أفاوضكم ولن أحاوركم.. بسرعة رد عليه قيادي بارز في حركة الأخوان المسلمين: نسألك الرحيل وانت وحدك في الساحة… لاحقا أثرت المجريات على واحدة من أسخن الإنتخابات الداخلية في تاريخ الأخوان المسلمين لإختيار مراقب عام للجماعة وسط تنافس حاد بين الصقوري الشيخ همام سعيد والمعتدل الذي قاد حراكات جنوب عمان الشيخ سالم الفلاحات.
النتيجة يشرح الحديد مفضوحة ومكشوفة فالحكومة تقول ضمنيا انها ليست معنية بالإصلاح السياسي ولا بالأخوان المسلمين ولا بالحراك الشعبي ولا بالمواطنة ولا بالأردنيين من أصل فلسطيني ولا بدولة القانون والمؤسسات ولا بالمجتمع المدني وهي معنية فقط بأجندة يتيمة ستحاول إستعادة التحالفات التقليدية مع إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا والسعودية من جهة الإقليم والمجتمع الدولي ومع البنية الكلاسيكية للحرس القديم في المجتمع والنخبة المحافظة من جهة الداخل.
حصل هذا الإنقلاب في إستراتيجية المؤسسة الأردنية برأي محللين بارزين لعدة أسباب أهمها تأجيل إستحقاق التغيير في سورية وحصول مراجعات غربية وامريكية في ملفات الإسلام السياسي وعدم إستقرار تجربة حكم التيار الأخواني في مصر وتونس وبسبب هذه المعطيات تمت الإطاحة برئيس الوزراء، القاضي الدولي عون الخصاونة فالرجل قريب من الأوروبيين وتبنى إستراتيجية التفاهم مع الأخوان المسلمين وقال مباشرة لـ”القدس العربي” قبل إستقالته أنه يفعل ذلك لخدمة النظام.
بالنسبة لمحلل ومثقف سياسي من طراز خالد رمضان حصلت إلتفاتة إستدراكية مؤخرا فخط الإصلاح والمجتمع المدني تراجع لصالح وصفات كلاسيكية في الإدارة برمجت على مستوى القناعة بأن ثقل العشيرة لا زال الثقل الأساسي في اللعبة السياسية وأن الحركة الإسلامية لا مبرر لتقديم تنازلات من أجلها وستقبل في المحصلة بالحصة التي يمكن عرضها عليها لإن المعطيات تغيرت.
ومن هنا برزت القبضة الأمنية الخشنة وأعيد الإعتبار للمستوى الأمني في إدارة السياسي وليس العكس وبدأت تتكاثر مسيرات الولاء في المحافظات وتم إغلاق ملفات التحقيق بالفساد وبسرعة كبيرة وقياسية لا تقل في إندفاعها عن الحركة المنفلتة التي قادت قبل أشهر لتشكيل 42 لجنة تحقيق نيابية في ملفات فساد تلاشت قبل أن ينضج عملها.
هذا المنطق برأي آخرين قد يعبر عن قراءة عقلانية لتطورات الإقليم والمنطقة حيث إيجاد طريقة للتفاهم مع الإسرائيليين والأوروبيين وسلطة رام ألله والرياض لكنه منطق لا يقرأ جيدا المشهد الوطني والداخلي وما حصل فيه من تحولات لا يمكن تجاهلها خلال العام الأخير وفقا للإنطباع الأولى للنشط السياسي وعضو لجنة الحوار الوطني المحامي مبارك أبو يامين الذي يظهر قلقا من ترك المسألة الداخلية لصالح الإعتبارات الإقليمية.
وبعد اليوم الخامس على تشكيل وزارة الرئيس الطراونه لم يقرأ الرأي العام المحلي ولو مقالا واحدا يظهر تعاونا أو تفهما أو تفائلا والخصم العنيد لحكومة الخصاونة في الإعلام فهد الخيطان ألمح في صحيفة “الغد” لإن وزارة الطراونه قد تكون بمثابة الطلقة الأخيرة طارحا سؤالا غرقت فيه فعلا أوساط عمان وصالوناتها السياسية: ماذا إذا فشلت حكومة الطراونه؟
المسألة تكتيكية والوزارة الطازجة إنتقالية ومهمتها الأساسية إجراء إنتخابات وتعزيز النظام والمجتمع بمؤسسة برلمانية منطقية تقنع العالم بأن فرصة الإصلاح في الأردن لا زالت على قيد الحياة ومع تنامي العودة لإستراتيجية الأطراف على حساب العاصمة ومجتمع المدنية والمواطنة يتوقع سياسي رفيع المستوى تحدث لـ”القدس العربي” بأن الشرط المتعلق بضرورة إجراء إنتخابات يشارك فيها الإسلاميون حصريا سقط مع التحولات الإقليمية الأخيرة ودليل سقوط الشرط ليس فقط تعيين الطراونه رئيسا للوزراء بل طريقته في الكلام عن تهميش الأحزاب السياسية رغم أنه يترأس اللجنة الإستشارية العليا لحزب وسطي هو حزب التيار الوطني في معلومة لا يعرفها الكثيرون.
بسام بدارين – القدس العربي