وسط حمى المعركة الرئاسية البالغة الغموض في مصر، تبرز قضية عادل امام الذي ادين بتهمة افلام ومسرحيات تم انتاجها قبل الثورة!
هكذا يحتل الممثل الكوميدي المصري المسرح بوصفه مُتَّهماً. نزل عن منصته القديمة حيث كان قادرا على السخرية من التيارات الاصولية وممارساتها، ليدخل في قفص الاتهام. المرحلة التي مزج فيها الكباب بالارهاب، وشكلت ما يشبه فسحة نقد في ظلّ الترهيب الذي مارسه الاصوليون على الثقافة، من اغتيال فرج فودة الى طعن نجيب محفوظ بالسكين وصولا الى محاكمة نصر حامد ابوزيد، كانت ايضا وللأسف فسحة ملتبسة، لأنها تشكلت كوجه آخر لاستبداد ديكتاتورية مبارك.
تموضع عادل امام في صف النظام، وكانت مواقفه خلال ثورة 25 يناير المعادية للثورة، هي ذروة سقطة ‘الزعيم’ في حفرة السلطة.
ظاهرة عادل امام يجب ان تعالج في اطارين:
الاطار الاول هو الموهبة الكبيرة التي صنعت من هذا الممثل ظاهرة خاصة في الكوموديا المصرية. منذ صعوده خشبة ‘مدرسة المشاغبين’، تحول عادل امام الى نجم الكوميديا المصرية الأول. شخصية الفتى الساذج الذي يمثل المصري الطيب في مواجهة الفقر والظلم والسلطات الاجتماعية والسياسية المختلفة، حولت هذا الممثل الى سيد شباك التذاكر، وجعلته يحتل حيزا لم يستطع احد احتلاله قبله.
الاطار الثاني هو ثمن النجاح، والنجاح مكلف هو ايضا، لأنه قد يعمي بصر الناجح وبصيرته. فلقد فرح الممثل بصورة ‘الزعيم’ التي مثلها، ولم يعد قادرا على التمييز بين سلطة الفن والفن في خدمة السلطة. قادته سلطة الفن الى التماهي مع السلطة، وبدل ان تكون معركته من اجل رفض القمع الاصولي جزءا من معركة مقاومة القمع الذي تمارسه السلطة الاستبدادية على المجتمع المصري، فانه تماهى بسذاجة وعناد مع السلطة، بحيث صار صوتا بيدها وسوطا يجلد شباب مصر وشاباتها الذين صنعوا ثورة شعبية كبرى.
من الصعب ان يغفر الجمهور لعادل امام اعجابه بآل مبارك، او تصرفاته التي جعلته يصدّق تمثيله، فيتحول الى زعيم وهمي، يدعم زعيما يحكم شعبه بالقمع والفساد.
وعادل امام هنا هو جزء من شريحة كبيرة من المثقفين المصريين التي ارتضت لنفسها ان تلعب لعبة النظام. الاحتماء بالديكتاتور خوفا من الاسلاميين، ودفاعا عن سلطة تدّعي حماية المجتمع المدني، بينما هي تقوم في الواقع بسحقه، وتسلّم الثقافة للاسلاميين كجزء من لعبة التذاكي.
ربما كان عادل امام يستحق قفصا من نوع ما، لكنه قفص الجمهور الذي يستطيع وحده ان يحكم على ادائه الثقافي- السياسي، وعلى تماهيه مع السلطة القمعية.
لكن ما يجري في مصر الآن يدعو الى الاستغراب. فتتم محاكمة الفنان بعقلية محاكم التفتيش وقانون الحسبة السيىء السمعة. ويتم الانقضاض على مبدأ حرية التعبير، والاقتصاص من افلام ومسرحيات قديمة، بشكل يثير العجب والاستغراب.
حكاية عادل امام الجديدة هي فضيحة ثقافية واخلاقية. فالفنان يُحاكم ويتهم في فنه، والمتهِِِمون يعلنون بصراحة ووضوح انهم يريدون تكبيل الثقافة، كمقدمة لتكبيل المجتمع.
هذا التصرف لا يدلّ سوى على الرعونة، فمثلما سكر عادل امام بنجاحه، يسكر الاصوليون اليوم بانتصارهم في انتخابات مجلس الشعب، ويعتقدون انهم صاروا ورثاء الاستبداد المباركي، وانهم يستطيعون التصرف بالطريقة القديمة اياها. اي يستطيعون وأد الديموقراطية، متناسين ان المعركة الكبرى التي لا تزال في انتظار الثورة المصرية هي المعركة مع شبح الديكتاتورية العسكرية، وان خوضهم معارك قمع الثقافة لن تضعفهم وحدهم، بل سوف تصب في خانة العسكر الذين يتصرفون وكأنهم اصحاب السلطة الحقيقيون.
المشكلة الكبرى التي تكشفها قضية عادل امام ان القوى الاسلامية في مصر لا تزال دون مرحلة السياسة، وان شــــرط قــيام تحالف وطني ديموقراطي ينقذ البلاد من الهيمنــــــة العسكرية هو التخلي عن سياسة الهوية، والخروج من اسر الايديولوجية المقفلة. وهذا للأسف لم نشهده مع مرشحي الرئاسة الاصوليين الذين سكروا بالسلطة قبل ان يصلوا اليها، وسقطوا قبل ان يصعدوا.
هذا الاستعجال الاصولي ليس سوى ظاهرة تعبر عن عدم نضج من جهة، وعن البقاء في اسر العقلية القديمة، عقلية محاولة تحجيب المجتمع بالقمع، وبكلام اطلاقي عن ان الدين يستطيع ان يحلّ مشكلات المجتمع عبر حجبها.
العجيب ان هذا التيار السياسي لا يحمل في رأسه سوى همين، هم قمع المرأة وتكبيلها وتهميشها وهم قمع الثقافة ورسم حدود لها بهدف خنقها وحذفها من الواقع. ان الاصرار على هذين القمعين يدل على حقيقة هامة، تقول ان حرية المرأة وحرية الثقافة هما مقياس حرية المجتمع.
لهذا، وعلى الرغم من النقد الذي يجب ان يوجه الى مواقف عادل امام السياسية، فان الدفاع عن حريته وحرية العمل الفني بشكل عام هو مقياس قدرة الثورة المصرية على ارساء تقاليد ديموقراطية جديدة.
لا لقمع عادل امام.
فالرجل صار ملكا للذاكرة السينمائية والمسرحية المصرية والعربية، وسوق نتاجه الفني الى محاكم التفتيش الجديدة هي جزء من محاولة اغتيال الثقافة.