خلال اقل من خمس سنوات، قفزت اسعار اللحوم البلدية في الاردن الى الضعف مدفوعة بممارسات احتكارية وعمليات تصدير كثيفة، فضلا عن ثقافة اجتماعية ضيقة ترى فيها دون سواها صورة للمكانة وكرم الضيافة.
وكما يرى عاملون في قطاع الثروة الحيوانية، فان الاهمال الحكومي لهذا القطاع، قد اسهم ايضا في دفع منحى اسعار اللحوم البلدية الى الارتفاع من 6.5 دنانير للكيلو الواحد في عام 2008، الى ان اصبحت تدور في فلك 12 دينارا حاليا.
ويستبعد تجار اللحوم ان تتراجع اسعار البلدية خلال الفترة المقبلة نظرا لقلة المعروض محليا وقرب حلول شهر رمضان الذي يزيد فية الاقبال على شرائها.
ويستهلك الاردنيون قرابة 16 ألف طن سنويا من اللحم البلدي و36 ألف طنا من اللحوم المستوردة الطازجة وما يقدر بـ20 ألف طن من اللحوم المستوردة المجمدة.
اهتمام حكومي
يقول عصمت المجالي، وهو احد مربي الماشية، ان من اهم اسباب ارتفاع اسعار الحوم البلدية غياب الاهتمام الحكومي بالثروة الحيوانية على مدار السنوات الماضية، ووجود ممارسات احتكارية من قبل بعض كبار التجار.
ويبين المجالي الذي يعمل في تربية الماشية منذ نحو عشرين عاما، ان ارتفاع اسعار الاعلاف على مدار السنوات الاربع الماضية بنسبة تصل الى 95% في ظل توالي سنوات القحط والجفاف، اضافة زيادة اجور العمالة اسهما ايضا في استمرار ارتفاع اسعار اللحوم البلدية .
وعن دور الممارسات الاحتكارية في رفع اسعار اللحوم البلدية، يوضح المجالي ان تجارا كبارا قاموا خلال السنوات الماضية باستغلال الظروف الصعبة التي مر بها المربون نتيجة لارتفاع الكلف عبر شراء الماشية ودفاتر دعم الاعلاف منهم بقصد تسمينها وتصديرها الى الخارج.
وتشير احصاءات رسمية الى ان عدد من يمتهنون تربية الماشية في الاردن يصل الى نحو 18 الف.
وتقدم الحكومة دعما لمربي المواشي بواقع 60 دينارا لكل طن أعلاف؛ حيث يباع الطن لمربي الأغنام بـ175 دينار، في حين يباع في السوق بـ235 دينارا.
ويشير المجالي الى ان ضعف الرعاية الصحية البيطرية اسهم في نفوق اعداد كبيرة من الماشية خصوصا صغار المواليد بسبب تفشي بعض الامراض، ما انعكس في تراجع حجم الكميات المعروضة محليا، وبالتالي زيادة اسعار اللحوم البلدية.
ويضيف ان الدعم الحكومي لاعلاف الماشية لا يكفي لمساعدة المربين حيث يبلغ الدعم 20 كيلوغراما شهريا لكل رأس في حين يستهلك الرأس الواحد قرابة 40 كيلوغراما شهريا.
ويقول المجالي الذي يمتلك قرابة 500 رأس من الماشية ان الكلفة الشهرية المترتبة علية تصل الى 5 الاف دينار تشمل اثمان الاعلاف والماء وأجور العمالة.
وهو اذذاك يناشد الحكومة ايلاء مربي الماشية اهتماما اكبر من خلال تخفيض اسعار الاعلاف وتوفير المراعي المروية وذلك للحفاظ على استمرار وجود الثروة الحيوانية وتشجيع المربين.
وقد استبعد المجالي ان تشهد اسعار اللحوم البلدية انخفاضا خلال الايام المقبلة بسبب استمرار عزوف المربين وقلة الكميات المعروضة في السوق المحلية.
مرشحة للارتفاع
ومن جهته، يقول سمير المصري، وهو صاحب محال لبيع اللحوم البلدية ان منحى اسعارها بدأ بالارتفاع منذ عام 2008.
ويوضح ان سعر كيلو اللحوم البلدية كان يتراوح في عام 2008 من 6.5 نانير الى 7.5 دنانير ثم بدأ بالارتفاع تدريجيا الى ان وصل سعر الكيلو الى 12 دينارا في الوقت الحالي.
وبحسب ما يراه المصري فانه “لا يمكن ان تنخفض اسعار اللحوم البلدية في الوقت الراهن لقلة الكميات المعروضة وقرب حلول شهر رمضان الذي يزيد فيه الاقبال على شرائها”.
ويضيف المصري سببا اخر مهما يقف وراء بقاء الاسعار مرتفعة، وهو قيام بعض التجار بذبح اناث الماشية بطرق غير قانونية خارج مسلخ عمان رغم وجود قرار يمنع ذلك ما عكس انخفاضا في اعداد المواليد على مدار السنوات الماضية.
ويقر مساعد امين عام وزارة الزراعة للثروة الحيوانية المهندس فيصل العرقان بقيام بعض تجار الماشية بذبح الاناث بشكل مخالف، مع تاكيده وجود رقابة مستمرة على محال بيع اللحوم للحد من هذه الممارسة.
ويقول ان وصول اسعار اللحوم البلدية الى مستويات مرتفعة في الوقت الحالي يعود الى زياد الطلب وقلة المعروض بسبب ان الفترة الحالية هي فترة توالد ما يجعل المربي يحتفظ بالماشية لحين تسمينها ووصولها الى وزن معين يمكنه من بيعها في السوق المحلية.
ويدافع العرقان عن دور الوزارة في دعم مربي الماشية قائلا انها توليهم الاهتمام الكبير وتوفر لهم اعلافا تتحمل
ويؤكد العرقان ان وزارة الزراعة تولي مربي الماشية الاهتمام الكبير من خلال دعم الاعلاف حيث تتحمل الحكومة 65 دينارا دعما لكل طن من الاعلاف تباع للمربين، اضافة الى المطاعيم التي توفرها بالمجان وبكلفة سنوية تصل الى 1.2 مليون دينار.
ويباع الطن لمربي الأغنام بـ175 دينارا للطن، في حين يباع بالسوق الحر بـ235 دينارا.
ويقول العرقان ان فتح باب التصدير يعتبر من احدى وسائل دعم مربي الماشية لتعويض الخسائر التي تلحق بهم مبيا انه الوزارة تسمح بتصدير قرابة 30 الف رأس سنويا من الاوزان الكبيرة التي لا تلقى رواجا في السوق المحلية.
التصدير برئ
على صعيده، ينفي مدير عام الاتحاد العام للمزارعين الأردنيين المهندس محمود العوران ان يكون للتصدير علاقة باستمرار ارتفاع اسعار اللحوم البلدية، ويعزو هذا الارتفاع الى اسباب اهمها بعض الممارسات الاحتكارية والقحط وغياب استراتيجية حكومية واضحة لدعم مربي الماشية.
ويقول العوران ان “تصدير الخراف البلدية ليس له علاقة بأرتفاع اسعار اللحوم البلدية في السوق المحلية، لكون الكميات المصدرة محدوددة وهي تنحصر في الخراف ذات الأوزان الكبيرة التي تتجاوز 60 كيلوغراما للرأس الواحدة ولا يوجد اقبال عليها محليا”.
لكنه يؤكد ان الممارسات الاحتكارية من قبل عدد محدود من التجار اسهم في رفع الاسعار، اذ يقوم هؤلاء بشراء صغار المواليد بأسعار لا تتجاوز 80 دينارا للرأس ويعملون على تمسينها ثم بيعها بأسعار مرتفعة في السوق المحلية.
ويضيف العوران ان توالي سنوات القحط والجفاف على المملكة منذ عام 2005 اضطر مربي الماشية الى الاعتماد على الأعلاف الجافة ذات السعر المرتفع في ظل غياب المراعي الطبيعية، الامر الذي زاد في الكلف، لدرجة دفعت بعضهم الى بيع قطعانهم او تقليل اعدادها.
وفي هذا السياق، فقد طالب الحكومة بوضع استراتجية واضحة لدعم مربي الماشية من خلال تنمية المراعي الطبيعية وتوفير الأعلاف بأسعار مخفضة.
وبحسب العوران فان انتاج المملكة من المواشي يغطي حاجة 25 % من احتياجات السوق المحلية فيما يتم استيراد 75 % من الحاجة المتبقية في ظل وجود 3.6 مليون رأس ماشية متوفرة في المملكة.
استغلال
وكما يرى رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستهلك محمد عبيدات، فان ارتفاع اسعار اللحوم البلدية في السوق المحلية غير مبرر وفية استغلال كبير للمواطنين.
ودعا عبيدات المواطنين الى مقاطعة اللحوم البلدية والتوجة الى البدائل من الانواع الاخرى للحد من ارتفاع اسعارها واجبار التجار على خفض اسعارها.
كما طالب الجهات الحكومية بالتدخل للحد من ارتفاع اسعار اللحوم عبر اجراء دراسات ميدانية لمعرفة اسعارها الحقيقة وإعلام المستهلكين بها.
وقال انه “في حال بقاء اسعار اللحوم البلدية مرتفعة فأن الجمعية ستقوم بدراسة الكف الحقيقية وتنظيم حملات لمقاطعة شرائها على غرار الحملات التي تم تنظيمها خلال السنوات الماضية والتي حققت نجاحات في خفض اسعار اللحوم”.
وفي المقابل، فقد اكد الناطق الاعلامي في وزارة الصناعة والتجارة ينال البرماوي ان الوزارة تقوم من خلال مديرية المنافسة التابعة لها باجراء دراسات مستمرة لاسعار اللحوم البلدية والمستوردة للتأكد من عدم وجود ممارسات احتكارية تطبق على هذه السلعة.
ونفى في هذا السياق وجود ممارسات احتكارية تطبق على اللحوم البلدية في السوق المحلية من قبل كبار التجار، عازيا ارتفاع الاسعار الى قلة الكميات المعروضة وارتفاع كلف التربية وفتح باب التصدير.
وقال ان معظم اللحوم البلدية التي تعرض في المحال يشتريها المستهلك مباشرة من المربين حيث توجد اماكن مخصصة لعرض الماشية الحية للبيع، الامر الذي يؤكد وجود منافسة في السوق المحلية وليس احتكارا.
واكد البرماوي حرص الوزارة على منع الاحتكار وايجاد المنافسة داخل السوق المحلية عبر توفير كميات من اللحوم تزيد حتى عن حاجات المواطنين، وبأسعار مناسبة.
للمزيد من التقارير لمضمون جديد هنــــــــــــــــــا