حتى الموعد المكرّس لعيد العمال في الاول من ايار لعبت فيه الحكومة المستقيلة, فحولت العطلة الى اليوم الاحد 29 نيسان, ليكون يوم الثلاثاء يوما باهتا بلا رائحة عيد العمال العالمي, وإذا سمح لنا اصحاب عقلية المؤامرة الاقتراب من تخيلاتهم, فإن هذه مؤامرة على كدح العمال ويومهم المشهود.
لكن ومع هذا نتذكر الأول من أيار عيد العمال العالمي, فتعود بنا الأيام إلى مرحلة الأحكام العرفية, التي غادرناها في العام ,1989 وتمر في الذاكرة الحالة النشطة للنقابات العمالية في تلك الفترة, خاصة نقابة العاملين في المصارف, عندما كان يقودها نقباء مميزون, كالروائي جمال ناجي, ويوسف الحوراني, والدكتور حيدر رشيد.
كنا طلاباً في الجامعات, لكننا كنا نشارك نقابة المصارف في احتفالاتها, حيث كانت النقابة تنظم رحلة اجتماعية في عيد العمال لكافة أعضائها وأسرهم وأصدقائهم, تقام خلالها المسابقات الثقافية, والأمسيات الشعرية, وحفلات الغناء الوطني.
أتذكر تلك الأيام, وأقارنها بأيامنا هذه, التي لا تزال مطالب الحركة العمالية هي ذاتها التي تطالب بها منذ عشرات السنين بضرورة تعديل قوانين العمل والضمان الاجتماعي والنظام الموحد للنقابات العمالية, ومحاربة ظاهرة استشراء الفساد الإداري والمالي في قيادة الاتحاد, الذي لم تعد معظم قياداته تمثل فعلياً مطالب الحركة العمالية, وجمهور العمال الذي يعاني الأمرّين من تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية, ولا تزال الشعارات ذاتها بضرورة إصلاح أوضاع الحركة العمالية كجزء من مشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل.
يدخل علينا يوم العمال العالمي بنشاط احتجاجي ملحوظ في أكثر مواقع العمل, فنسمع كل يوم عن اعتصام عمالي, أو إضراب عن العمل, أو مذكرة احتجاجية تطالب بتحسين أوضاع العاملين, بعد أن تغولت الأسعار على رواتب العمال ولم تعد تكفي لتوفير قوت العيال بكرامة, ونسمع أصواتاً نقابية هرمت وهي تطالب بإسقاط قيادة الاتحاد الحالية التي تترأس النقابات العمالية من نحو عشرين عاماً.
يأتي عيد العمال هذا العام مختلفاً في ظروفه العربية, حيث يستقبل عمال العالم وشعوبه في مختلف بقاع الأرض عيدهم تحت ظلال النهوض الشعبي الديمقراطي العربي من أجل الديمقراطية الشاملة والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية بعد اندحار عصر التطرفات الكبرى لليبرالية المتوحشة, التي تعيش اليوم أزمتها, الأزمة الاقتصادية العالمية, أزمة الليبرالية الجديدة المتوحشة التي هُدرت بها حقوق الشعوب على يد الرأسمالية المتوحشة وتوابعها من مجموعات المافيات وعصابات الفساد, واستحالت بها ثورات القرنفل والورود إلى محض أشواك وتعميم للنهب والفقر.
الشيء الغريب في عيد العمال العالمي, وهو عطلة رسمية, أن الذين على رأس عملهم في هذا اليوم جلهم من العمال, والذين ينعمون براحة الإجازة أرباب العمل!
العرب اليوم