محمد البدارين:/
جاء في تقرير صحفي محلي ان جلالة الملك مهد من خلال لقائه سفراء الاتحاد الاوروبي في عمان ، لاستقالة حكومة عون الخصاونة ، وربط التقرير بين اللقاء وما وصفه بانطباعات مفادها ان الاوروبيين هم الحلفاء الاقوى للرئيس المستقيل. وتبدوهذه الملاحظة الصحفية ذات اهمية بالنسبة للمتابعين للعملية السياسية الجارية في الاردن نظرا لاهمية الدور الاوروبي في دعم وتشجيع عمليات الاصلاح في المنطقة وفي الاردن بالذات ، واذا كان من المنطقي الاستنتاج بأن الاجتماع الملكي مع السفراء الاوروبيين كان ذا صلة باستقالة حكومة الخصاونة ، الا انه من المعروف ان اللقاء لم يتم قبل الاستقالة لكي يمهد لها بل جرى بعدها ، وفيه اكد الملك على ضرورة الاسراع وعدم التباطؤ في انجاز القوانين الاصلاحية وهو ما اصبح مطلوبا بشكل محدد من الحكومة الجديدة.
لذلك من المهم فهم الاجتماع من خلال التعرف على الموقف الاوروبي من الاردن وليس من شخص الرئيس المستقيل او شخص الرئيس المكلف ، فالموقف الاوروبي يستند لاستراتيجية اوروبية موحدة ومتفق عليها حيال المنطقة العربية ومن ضمنها الوضع في الاردن في ظل متغيرات الربيع العربي ، وانطلاقا من هذه الاستراتيجية جرى تقسيم الدول العربية الى مجموعات حسب الظروف السائدة فيها ، وبالنسبة لحالة الاردن فان الاتحاد الاوروبي يرى ان الاردن قادرعلى انجاز عملية اصلاحات سلمية ، وهذا ما دفعه للبدء ببرنامج مساعدات اقتصادية للاردن لعدة سنوات في اطار ما يسمى فريق العمل الاوروبي الاردني .
وكان هذا الفريق قد عقد اجتماعه الاول في البحر الميت في شباط الماضي حيث تعهد الجانب الاوروبي بدعم الاردن في مجالات مختلفة ، ومساندته للعملية الاصلاحية في البلاد وحرصه على نجاحها ، وقد شرحت هذا الموقف بشكل واضح ممثلة الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون في ذلك الاجتماع ، التي ترى ان المشروعات الاصلاحية الاردنية ستظهرفعليا للوجود خلال العام الجاري 2012، مما يعني ان الاتحاد الاوروبي مع تسريع عملية الاصلاح ويؤيد التوجه الملكي للاسراع في انجاز القوانين المطلوبة واجراء الانتخابات النيابية خلال العام الحالي وتشكيل حكومة دائمة تنبثق عن البرلمان الجديد.
تأكيد اوروبي اخر جاء على لسان رئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولز خلال زيارة جلالة الملك مؤخرا لمقر البرلمان في ستراسبورغ ، الذي وصف جلالة الملك بانه صديق وشريك وان الاتحاد الاوروبي يتعهد بمساعدته لتحقيق الاصلاحات في الاردن بشكل فعلي ، وهذا يؤكد ايضا ان الاوروبيين مع تسريع عملية الاصلاح في الاردن وانجاز متطلباتها بشكل يسمح بتحقيق الاهداف الاصلاحية فعليا قبل نهاية عام 2012.
ومن الطبيعي ان يكون الموقف الاوروبي مهم جدا بالنسبة للاردن ، لان الاردن يرتبط بعلاقة شراكة قديمة مع الاتحاد الاوروبي ويستفيد من برنامج مساعدات اوروبي واسع المدى ، ويتمتع بعلاقات، قوية مع دوله ، مثلما ان اوروبا معنية بالاستقرار في الاردن ومهتمة بنجاح عملية الاصلاح وفق مفهوم شامل يسمى الديمقراطية العميقة الذي لا يركز على الاصلاح السياسي فحسب بل يشمل ايضا المسائل الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ومشاركة المرأة والشباب ومجتمع الاعمال وسيادة القانون والحريات.
لذلك لا بد ان يكون الموقف الاوروبي مؤيدا للاسراع، بخطوات الاصلاح وداعما لهذا التوجه ، كما ان من شأن التقدم الذي يحرزه الاردن في عملية الاصلاح ان يزيد من فرص الاستفادة من الدعم الاوروبي ، وبكل تأكيد فان النجاحات الاردنية في الداخل ستنعكس بشكل ايجابي على علاقات الاردن الخارجية بشكل عام .
فالاسراع في العملية الاصلاحية والجدية في تطبيقاتها اضافة لكونهما حاجة وطنية داخلية ملحة فانهما كذلك مسألتان مهمتان، في علاقات الاردن مع الاتحاد الاوروبي والعالم ، ومن هنا تحددت مهمة الحكومة الجديدة بالانتهاء من قانون الانتخاب والقوانين الاخرى المرتبطة به ليكون هناك مجال لاجراء الانتخابات البرلمانية وصولا الى حالة الاستقرار السياسي، قبل نهاية العام الجاري، وهي نفس المهمة التي كان يفترض ان تنجز في عهد الحكومتين السابقتين ، بل ان الوضع كان يمكن ان يكون افضل بكثير لو اخذت الامور اتجاها صحيحا منذ حل البرلمان السابق ، الذي كان حله اصلا دليلا على وجود الازمة ، لكن عدة حكومات تبدلت منذ ذلك الحين ظلت غير قادرة على حسم الموقف ، فبقدر ما كان قرار حل البرلمان عام 2009 قرارا حكيما وخلق فرصة عظيمة للتغيير اتاحتها الاستجابة الشعبية في حينه ، بقدر ما كانت السياسات المتبعة بعد ذلك “ناجحة” في اهدار الفرصة العظيمة ، فظلت الاوضاع عند نقطة الازمة ، بحيث بدا فيما بعد ان حل المجلس السابق لم يكن مفيدا او انه لم يؤد للنتائج المتوقعة.
،فالازمة الاردنية سابقة لاحداث الربيع العربي ، وهي معترف بها منذ اوائل العام 2008 ، وهو العام الذي شهد اقالات في المناصب المهمة في الدولة تبعها حل البرلمان ، لكن الملاحظ انه بمقابل قرارات صحيحة ومهمة كانت تتخذ ، كانت هناك سياسات واجراءات غير صحيحة تطبق بشكل كان يهدر فرصة الاستفادة من القرارات الصحيحة وتأثيراتها ، وبدا الوضع منذ عام 2008 على شكل حركة للامام واخرى للخلف الى ان ضاق الوقت وتعقدت الامور بشكل اكبر مما كانت عليه، وفي تفاصيل ومجريات الامور منذ ذلك التاريخ ما يستحق استخلاص النتائج ، و ما يؤكد ايضا ان التباطؤ والمراوحة والنكوص كانت تطبع سلوك الحكومات الخمس الاخيرة ، واذا كان هذا السلوك قد ظهر لدى الحكومة الاخيرة فربما مرد ذلك هو الاحساس العام بان الوقت ينفذ دون تحقيق شيء ملموس ، فالحكومات السابقة والمتلاحقة والمتكررة كانت دائما قادرة على تمرير الوقت والتأجيل وتحويل المعضلات لمن بعدها الى ان ضاق الوقت تماما!
،