الاصلاح نيوز /
يمكن تلمس الإنطباع الأول عن الوزارة الأردنية الجديدة التي بدأ رئيسها فايز الطراونة بإجراء مشاورات تشكيلها عند نشطاء الحراك الإلكتروني فالعبارة التي إنتشرت بكثافة واضحة كشعار للحراك الشعبي في المرحلة اللاحقة بمجرد الإعلان عن تكليف الطراونة هي ‘إرحم إرحم يا طراونة وباي باي يا خصاونة’.
التدقيق في العبارة التي أصبحت بسرعة نارية هتافا على شاشات التواصل يتداوله ويتبادله الأردنيون يؤشر بوضوح على أن صدمة نخب الشارع والمعارضة ونشطاء الحراك بإختيار الطراونة تجاوزت بعمقها صدمة إنسحاب الرئيس السابق عون الخصاونة من المشهد وسط ملابسات ترجح بان الأخير فاجأ النظام بإستقالته الصارخة وبأن النظام إضطر بدوره لخيار إنتقالي مؤقت من طراز الطراونة فالأخير أبلغ بالرئاسة التي جلست في حضنه على نحو مفاجيء وهو في زيارة إجتماعية لمدينة إربد شمالي المملكة، الأمر الذي يعزز النظرية التي تقول بأن الرئيس الجديد للوزارة لم يكن بصورة التكليف قبل وقت كاف.
بكل الأحوال ترجل الخصاونة وركب المرحلة خليفة له يعرفه الأردنيون جيدا فقد إختبروه عشرات المرات منذ كان سفيرا ووزيرا ومفاوضا ورئيسا للديوان الملكي وللوزراء ونائبا لرئيس مجلس الأعيان فيما لم تتضح بعد الإعتبارات التي حكمت هذا الخيار تحديدا بالنسبة للقصر الملكي.
وهنا يمكن ملاحظة أن العاهل الأردني الملك عبدلله الثاني إلتقى عشية قبول إستقالة الخصاونة سفراء الإتحاد الأوروبي في عاصمته وحدثهم عن الحاجة للتسريع في إنجاز تشريعات الإصلاح وهذا اللقاء مهد في الواقع لإخراج وزارة الخصاونة من المعادلة حيث يرسم كثيرون إنطباعا يقول بأن الأوروبيين هم الحلفاء الأقوى من وراء الستارة للرئيس الخصاونة وبان ‘الدعم الأوروبي’ الخلفي كان بمثابة الورقة الرابحة في يد الخصاونة قبل تجاوز مؤسسة القصر الملكي للأمر برمته.
الطراونة بإجماع المراقبين والخبراء شخصية محافظة وكلاسيكية ويمينية كما وصفها الكاتب الصحفي ياسر أبو هلاله الذي حاول في مقاله صباح الجمعة تذكير الشعب الأردني بأن رئيس وزرائه الجديد كان وزيرا للتموين في أزمة نيسان الشهيرة عام 1989 التي إضطر بت فيها أحوال البلاد بسبب الأوضاع المعيشية والإقتصادية.
وسوء حظ الطراونة فقط سيجعل أول قراراته الإقتصادية خالية تماما من الشعبية فالإستحقاق العملي يتطلب رفع أسعار الكهرباء صبيحة الأحد المقبل بعد يومين مما يعني تلقائيا إرتفاع أسعار كل شيء بالنسبة للمواطنين في بداية ستكون سيئة جدا عموما للحكومة الطازجة التي يتردد أنها إنتقالية وستكون رشيقة وخفيفة العدد وستكون مهمتها الأساسية ملف الإنتخابات الذي أقصى الخصاونة بسببه.
بالمقابل لم يرحب تيار المعارضة الأبرز في البلاد بالرئيس الجديد وإعتبر حكومته ‘وظيفية’ وهدفها سيتمركز على تعطيل الإصلاحات السياسية وكسب المزيد من الوقت وهي ردة الفعل التي وردت مساء تشكيل الحكومة الجديدة من المسؤول السياسي لحزب جبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة الذي تحدث أيضا بالمناسبة عن ترتيبات قد تكون إقليمية لها علاقة بالسياق ملاحظا بأن الطراونة الرئيس السابق للوفد المفاوض وأحد رموز إتفاقية وادي عربه يركب المرحلة بعد سلسلة زيارات ‘تطبيعية’ للقدس على حد تعبير العضايلة.
طبعا العضايلة وهو قيادي مهم في الحركة الإسلامية لم يتردد وفي إطلالته على شاشة فضائية جو سات مساء الخميس عن القول بأن تكليف الطراونة يعني مجددا بأن الإصلاح السياسي الحقيقي ليس على جدول الأعمال وبأن كل ما تفعله مؤسسة القرار هي كسب المزيد من الوقت مشيرا الى ان المؤسسة الأردنية تنتظر نهايات المشهد السوري وضعف الإسلاميين في مصر حتى تضعف المعارضة الإسلامية في الأردن.
وفي الواقع وخلافا للجو الرسمي العام لا يبعث إختيار شخصية بمواصفات الطراونة برسائل مشجعة بالنسبة لدعاة الديمقراطية والإصلاح ودولة المواطنة والمؤسسات فالرجل متمرس في مدرسة التيار المحافظ وأراءه كلاسيكية تماما في المسألة الديمقراطية وملف الحريات وحتى مكافحة الفساد وإن كان خبيرا في الإسرائيليات والأمريكيات كما يصفه أحد الوزراء السابقين إضافة لإنه من رموز إتفاقية وادي عربة مع الإسرائيليين.
ويبدو أن للمسألة الإسرائيلية من الزاوية الإقليمية دور أساسي في خيارات وبوصلة الأولويات في عمان فالخصاونة شارك أيضا في العملية التفاوضية كخبير لكن الطراونة كان في عمقها وبؤرتها إضافة لإن تغيير الوزارة الجديدة حصل بعد ‘التواصل’ مع سفراء الإتحاد الأوروبي وبعد سلسلة زيارات مثيرة جدا للجدل قامت بها شخصيات أردنية بارزة جدا أو نافذة للمسجد الأقصى.
وهنا حصريا لا يمكن إسقاط ما قاله مؤخرا مهندس إتفاقية وادي عربة و’معلم’ الطراونة في المفاوضات ورئيسه أنذاك الدكتور عبد السلام المجالي الذي صرح مؤخرا بأن الوطن البديل كذبة وبأن إتفاقية وادي عربة دفنت تماما هذه الكذبة ومن الواضح أن إعتبارات محددة دفعت المجالي لمثل هذا التصريح مؤخرا خصوصا بعدما تناقل السياسيون على مدار الأعوام الثلاثة الماضية تراجعه – أي المجالي – عن مقولة دفن الوطن البديل مشككا في مجالساته الخاصة بأن إسرائيل عدائية ولا تحترم المعاهدات وبانه شخصيا ‘نادم جدا’ عن عبارته الشهيرة التي قال فيها ‘لقد دفنا الوطن البديل’.. طبعا كل ذلك تغير الآن فقد تراجع المجالي عن رأيه علنا وجدد مقولته الشهيرة قبل عدة أيام فيما صعد مساعده الأقرب في الوفد التفاوضي فايز الطراونة للواجهة رئيسا للوزراء.
بسام بدارين – القدس العربي