إذا كان هناك اتفاق علي أن يعكس الدستور الجديد أهداف ثورة25 يناير, فإن الخلافات في الرأي تظهر حول طبيعة هذا الدستور; الذي يحدد النظام السياسي المصري في السنوات المقبلة.
وفي هذا الصدد تثار مناقشات تقليدية عن النظامين البرلماني والرئاسي, ومدي صلاحية كل منهما لمصر المستقبل.
ومن الطبيعي أن يتأثر واضعوا الدستور بالتجارب التاريخية الماضية, وفي حالة الثورة التي تعكس فشل النظام البائد; يزداد النفور من هذا النظام. وهنا أرغب بداية أن أشير الي أن دستور1971 كانت به نواحي ايجابية جيدة, ولكن الخطأ كان في تهميش النصوص.
وإذا كان البعض يدعو الي إقامة نظام برلماني, فما هي تداعيات ذلك؟ ولمن تكون السلطة السياسية؟ هنا رئيس الحكومة يكون مسئولا أمام البرلمان, والمسئولية تضامنية; فالبرلمان يستطيع أن يحاسب الحكومة ويقيلها, ويثق فيها أو يحجب عنها الثقة, وفي الوقت نفسه تستطيع الحكومة حل البرلمان.
ولكن ما هي سلطات رئيس الجمهورية في هذا النظام؟ لن تكون له أي سلطة مطلقا; إلا التصديق وحق الاعتراض. إنه يرشح رئيس مجلس الوزراء, لكن يجب أن يوافق عليه البرلمان.. كما في ألمانيا, أو يتم ذلك بطريقة تلقائية.. كما في بريطانيا, بحكم أنه رئيس حزب الأغلبية.
وإذا أصبح النظام جمهورية برلمانية; تكون القيادة لمجلس الوزراء; ومن ثم لحزب الأغلبية; لدرجة أن في بريطانيا يطلقون علي الحكم تعبير حكومة الحزب.
وإذا استقر الرأي علي دستور برلماني, ينبغي إثارة سؤال سياسي.. هل نواب البرلمان يمثلون فكر ثورة25 يناير؟ إن الفترة القليلة التي مرت من عمر برلمان ما بعد الثورة; تثير القلق علي مستقبل مصر الي أبعد حد; حيث تظهر بوادر تغليب المصلحة الحزبية علي المصلحة القومية, كما كان الحال قبل ثورة23 يوليو!
نحن في أشد الحاجة الي الاستقرار والأمان, فلا ينبغي أن ننسي أن السياحة هي المصدر الثاني للدخل القومي في مصر, بعد قناة السويس, والاضطرابات السياسية والمظاهرات والاعتصامات هي عوامل طرد للسائح الأجنبي!.
وفي الوقت نفسه نحن نريد برلمان إنجاز; يبدأ بمناقشة الخطة الاقتصادية ومشروعات المستقبل, ويتعاون مع الحكومة لتحقيق ما يستحقه هذا الشعب من خدمات اجتماعية, وإتاحة الوظائف للشباب.
وفي واقع الأمر فإنني أري أن الأنسب لمصر هو النظام شبه الرئاسي; الذي يتصدي للدكتاتورية البرلمانية, ويحد في الوقت نفسه من قوة السلطة التنفيذية; برقابة برلمانية لا توجد في النظم الرئاسية, وبفعالية رئاسية غائبة في النظم البرلمانية.
إن مصر في حاجة الي رئيس قوي.. يسهر علي احترام الدستور, ويكون حكما; فيضمن السير المنتظم للسلطات العامة, ويرتفع عن الأحزاب, ويكون دوره فاعلا في سياسة الدولة; فيعين رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة الآخرين, ويرأس مجلس الوزراء, ويكون قائدا فعليا في الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ويضمن ألا تتكرر تجربة دكتاتورية رأس المال التي عشناها في الأربعين عاما الأخيرة.
إن مصر في حاجة الي رئيس قوي.. يكون من حقه حل مجلس الشعب; لاحتواء الأزمات السياسية بالسرعة الكافية, وذلك في مقابل أن يكون لمجلس الشعب الحق في سحب الثقة من الحكومة, والرجوع الي الشعب بانتخابات جديدة. وهنا أشير الي نقيصة كبري في دستور1971, تفاخر بها الرئيس السادات; وهي أنه لا يمكن حل مجلس الشعب إلا باستفتاء, بينما في بريطانيا الملكة تستطيع حل مجلس العموم بناء علي طلب رئيس الوزراء!
إن تلك عملية توازن; إذا لم تتحقق يكون هناك باستمرار طغيان من البرلمان يعطيه حصانة كاملة, ليس فقط حصانة لأعضائه, وإنما أيضا حصانة من حله; وذلك يقود الي تكرار سحب الثقة من الحكومة ويتم تغييرها كل شهر!
إن مصر في حاجة الي رئيس قوي.. يكون القائد الأعلي للقوات المسلحة بالفعل, ويرأس مجلس الدفاع الوطني, ويحرص علي تحديث الجيش باستمرار; فأمامنا إسرائيل.. عدو متربص لا يخفي نواياه التوسعية.
إن مصر في حاجة الي رئيس قوي.. يكون غير مسئول سياسيا أمام مجلس الشعب, بل أمام الشعب مباشرة, بالانتخاب المباشر; وذلك حتي لا يخضع للسياسات الحزبية, ويكتفي بالنص في الدستور علي المسئولية الجنائية فقط للرئيس.
إن مصر في حاجة الي رئيس قوي ونزيه في الوقت نفسه فينص في الدستور علي أنه طوال مدة عمله, لا يجوز له أن يزاول مهنة حرة, أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا, أو أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة.. إلي آخر المادة81 من دستور1971; التي تم انتهاكها تماما.
إن مصر في حاجة الي رئيس قوي.. يمسك بتلابيب الأمور في الظروف الاستثنائية, وحالة الخطر الداهم, مع الانعقاد الدائم للبرلمان; وذلك كان موجودا في المادة74 من دستور1971, المستقاة من المادة16 من الدستور الفرنسي لعام.1958
إن مصر في حاجة الي رئيس قوي, ولكن يجب أن تحدد مدة الرئاسة بفترتين فقط; لضمان التغيير الصحي للمنصب, ولتكون رادعا لمن تسول له نفسه استغلال النفوذ.
وفي الختام ينبغي أن أطرح السؤال.. هل نحن فعلا في حاجة الي برلمان من مجلسين؟ وإذا كان الرد بالإيجاب; فينبغي أن يعاد النظر في اختصاصات مجلس الشوري كليا; ليصبح علي مستوي يسهم به ويثري الحياة السياسية في مصر. أما الوضع الذي كان قائما منذ33 عاما, فهو مرفوض, ويكلف الدولة أموالا لا داعي لها.
نحن في مرحلة فاصلة في تاريخنا, يجب أن نتصدي لها بالمسئولية, ونكون علي مستوي تطلعات هذا الشعب; الذي عاني الكثير في الأربعين عاما الماضية, ووصل41% منه الي تحت حد الفقر وما حوله. وفي الوقت نفسه يجب أن تعود لمصر مكانتها في العالم العربي, وفي العالم الثالث, وفي الغرب والشرق وتصبح دولة قائدة كما كانت.