رد قانون التقاعد .. ثمن سياسي باهظ تدفعه الدولة ومؤسسة المجلس .
قضية الرواتب التقاعدية للنواب والاعيان ليست قضية مالية فقط, وهي ليست عملية تأمين مصدر دخل ثابت طيلة العمر لمن يدخل مجلس الأمة, لكنها اليوم بشكل خاص قضية سياسية ترتبط في اذهان الناس بالنزاهة والحرص على المال العام والعدالة والقدوة التي يمثلها ممثل الناس في مجلس النواب في عدم استغلال سلطته في التشريع من اجل امتيازات وحقوق يعطيها النائب لنفسه.
وقضية الامتيازات النيابية من القضايا التي اثقلت كواهل مجالس النواب في المراحل السابقة, والقانون الذي اعطى للنائب حق التقاعد هو المجلس الثاني عشر الذي كانت فيه معارضة وجهات تهاجم الامتيازات اليوم, وحتى اعفاءات السيارات من الجمارك فان الجميع استفادوا منها وبعضهم من الشاتمين للمجلس اخذها بعد ان تراجع حزبه عن رفضها وسمح له.
ما يعنينا القول ان الامتيازات كانت من الاسباب التي ساهمت في اضعاف مكانة المجلس شعبيا حتى اصبحت المجالس السابقة مرفوضة من الناس, وصاحبت هذا اسباب اخرى تتعلق بالاداء, وقبيل انتخابات المجلس الحالي عام 2010 كان تعديل قانون التقاعد المدين الذي الغى حق النائب في الحصول على تقاعد, كما اتخذت الحكومة انذاك قراراً بالغاء الاعفاءات الجمركية للنواب والاعيان على سياراتهم, وكان هذا جزء من تفكير هدفه معالجة الاسباب التي الحقت الاذى بصورة مجلس النواب لدى لمؤسسة.
واليوم ونحن في زمن الحراك والربيع تزداد الاثار السلبية للتوجه الذي قادته اغلبية مجلس النواب لاعادة التقاعد للنواب والاعيان من دون مراعاة للثمن السياسي العام وعلى المجلس, وكان اصرار الاعيان على رفض المادة التقاعد ايجابيا ويُعبر عن افق واسع وتجاوز للمصالح الخاصة, فالناس في كل مكان ساخطون من الفساد والامتيازات فهل دور مجلس الامة زيادة غضب الناس ام المساهمة في بعث الاستقرار والحفاظ على صورة مؤسسة مجلس الامة!!
امس, في الجلسة المشتركة ارتكب مجلس النواب خطأ سياسياً كبيراً والحق بنفسه اذى لا ينقصه, بل وعزز الصورة السلبية للمجلس شعبياً, لكن الاذى الحقيقي ليس للاشخاص لانهم حصلوا على الامتيازات لكنهم الحقوا اذى كبيراً بصورة مؤسسة المجلس, وزادوا على ما كان من ملاحظات وانتقادات.
كل من صوّت امس لمصلحة اعادة التقاعد ورد القانون المؤقت نظر من زاوية المصلحة الشخصية لكنه لم يدرك ما الذي يجرى في المرحلة, ولم يراع الحالة السياسية للدولة ولم يتوقف عند مصلحة مؤسسة مجلس النواب, وختم المجلس دورته العادية التي قد تكون الاخيرة بانحياز للامتيازات الشخصية بعد ان كان امامهم فرصة لارسال رسالة وطنية عامة بحرص المجلس على تقديم النموذج والقدوة, وكانت الفرصة من خلال التعديلات التي ادخلها مجلس الاعيان والتي تقتضي باعطاء التقاعد لمن اتم خدمة عشر سنوات منها مدة المجلس, لكن النواب تغاضوا عن كل هذه الابعاد وصوتوا ضد المصلحة السياسية للدولة.
المجلس يصوّت بعدم احالة بعض الملفات الى القضاء وهذا يجلب له السخط, لكن الانحياز لمصالحهم الشخصية امر لا يخص المجلس وحده بل هو عمل سياسي بالدرجة الاولى.
كنا نتمنى ان يكون التعامل مع هذه القضية بحكمة وأفق واسع, وكانت فرصة كبيرة لاعطاء النموذج والقدوة لكن المجلس اخطأ ودفع الثمن, وستدفع المؤسسة التشريعية الثمن الأكبر, وسيحمل المستفيدون رواتبهم الى بيوتهم لكن الدولة هي التي تدفع الثمن.
العرب اليوم