قد يكون الغاء اتفاقية الغاز بين مصر واسرائيل خطوة رائدة تمهد لتلميع صورة القادم الى مصر العزيزة على قلوب ابنائها ومحبيها، الا ان كل شيء في السياسة يحتاج لصبر طويل .. اساس العمل السياسي هو ذاك، ويحتاج الحكام عادة اليه، بل عليهم ممارسته، فليس كل مايراد يتحقق بطرفة عين، بل هي الخطط التي تدركها الدول فتضع لها سنوات وسنوات ريثما تتحقق.
أحد قادة الدول استدعى سياسيا كثير الكلام عليه وعلى حكمه ليقول له بصراحة ان كنت عاجزا عن الصبر فعليك ان تترك العمل السياسي، مضيفا ” نحن في القيادة مصابون بأمراض عدة نتيجة هذا الصبر الذي أكل منا الاعصاب والصحة لكننا مضطرون من اجل الوطن ومستقبله ان نتمسك بحذافير الصبر الذي لاسبيل عنه لدى أي حاكم.
وزير الخارجية الاسرائيلي ليبرمان يصف مصر بالأكثر قلقا من ايران .. كصابر على السياسة المصرية التي لم تتبلور بعد، يتأكد له ان مصر ماضية نحو التغيير، وان مقاييس الأمس ولت، فكل عهد له قاموسه السياسي كما له برنامج حكمه، فكيف اذا كان الحاكم موثوقا من حزب عريق قد يتكتك في بداية الأمر لكنه سوف يلجأ في النهاية الى مشروعه الفكري .. والحقيقة الكامنة في الواقع المصري، ان مصر التي لم تثبت على واقع حتى الآن رغم اعتراف التحليل بان العصر الاسلاموي حط رحاله فيها وفي المنطقة عموما، فهي حتى الآن مازالت تتوثب لتلك المرحلة ولن تدخلها الا اذا حققت الشروط الملائمة.
ومثلما هو الصبر طعام الحكم، فان كل حكم ايضا يخاف من المفاجآت السياسية ولهذا يتحسب لها كما هو مفهوم كلام ليبرمان.. فلقد قال مرة الصحافي محمد حسنين هيكل انك تستطيع ان تحكم على بريطانيا لبعد عشرين سنة ولايمكنك ان تحكم على أي بلد عربي ماسيكون عليه غدا .. فالرئيس المصري السادات مثلا برأيه أخذ قرار الذهاب الى القدس بنفسه وبدون مشورة بما يشبه مفاجأة حتى للآقربين اليه.
الصابرون من أهل الحكم هم عادة الأكثر نجاحا، اذ لايجوز حرق المراحل كما تعترف احدى النظريات السياسية التي تقول بان ذلك خداعا للتاريخ. ويبدو ان الحياة كلها بحاجة لصبر لكنها أكثر ماتحتاج الى المثابرة، وفي مباديء تطور الفرد مايعطي الدليل على تلك العملية .. فمثلا، لايمكن ان يكون المرء مثقفا ان لم يقرأ ويجرب، والقراءة والخبرة تحتاجان لوقت طويل ، أي لصبر يوجز خلاصة مايصبو اليه ذلك الفرد.
مضت أكثر من سنة على الحراك التغييري في بعض العالم العربي، لكنها لم تثبت ولن تثبت بين ليلة وضحاها، مازال بحاجة للكثير من الايام وربما السنوات، هذا اذا مشت في الطريق الصحيح الموصل لذلك، وما بعد الصبر الا الصبر ايضا.