ادخل مجلس النواب الأردني البلاد في مرحلة تأزيم سياسي غير مسبوقة في تاريخ الأردن منذ نشأته عندما أقدم على إقرار تعديل بمنع قيام الأحزاب وتأسيسها على أسس دينية, في سابقة غريبة على الحس الأردني وعلى الأعراف الأردنية السياسية المستقرة منذ ما يقارب القرن من الزمان.
كان زين العابدين الهارب من ثورة شعبه, وتبعه مبارك المخلوع بثورة شعبية مصرية فريدة في تاريخ مصر الحديث, هما من توليا ترسيخ قانون يمنع تأسيس الأحزاب الإسلامية اعتماداً على المادة القانونية التي تنص على منع تأسيس الأحزاب على أسس دينية, ويأتي مجلس النواب الأردني السادس عشر الذي جاء عبر قانون الدوائر الوهمية والمال السياسي ليعيد “الأردن” الى مربع تونس ومصر قبل الثورة.
هذا التعديل الذي تم إدخاله من مجلس النواب جاء من أجل مناكفة حزب جبهة العمل الإسلامي ومحاصرته بكل فجاجة, وجاء من إفراز عقليات لا تنتمي للعصر ولا تنتمي لحقبة الإصلاح, بل هي نتاج حقبة عرفية مأزومة, بعيدة كل البعد عن نبض الشارع, وبعيدة كل البعد عن الإحساس بتمثيل الشعب الأردني العريق بهويته الحضارية, وانتمائه الديني الوسطي الواسع, ورسالته السمحة الى العالم العربي الإسلامي والعالم كله.
هؤلاء ينطلقون من فهم ضيق ومحدود للإسلام, يتأثر بمجموعة أفكار مستوردة بعيدة كل البعد عن ثقافة الأمة ومشروعها الحضاري الكبير, بل هي معادية جوهراً وفكراً وشكلاً لأعراف الأمة المستقرة عبر قرون من الزمن, فالإسلام ليس عقيدة دينية فحسب كما يتوهم قصار النظر, بل هو فلسفة حياة كما هو فلسفة اقتصادية وفلسفة اجتماعية وفلسفة سياسية, وينبثق عنها أنظمة متكاملة لإدارة شؤون البشرية جمعاء, ومن أجل إقامة حياة إنسانية قائمة على أسس التعارف والتفاهم والتعاون والتكامل مع كل شعوب الأرض مهما كانت أديانها ومذاهبها وثقافاتها وأعرافها وعاداتها وتقاليدها.
بقي الأردن منذ نشأته عصيّاً على الفتنة, وعصيّاً على التباغض الديني والطائفي, وكان ولا يزال رمزاً للتعايش السلمي بين مختلف الانتماءات الدينية والعرفية والمذهبية, بلا تعصب ولا انفلات ولا تشدد, فلماذا تأتي مجموعة منعزلة تثير الفتنة, وتعصف بتقاليد الأردن السياسيّة العريقة, وتحاول إثارة النعرات وتأجيج الفتنة, وتهييج الشارع, وتقليد الدول والأنظمة التي عملت على تهيئة البيئة المناسبة لثورات شعبية متأججة.
أكاد اجزم أن من أقدم على إدخال هذا التعديل, لا يستطيع القراءة وعاجز عن قراءة المشهد السياسي, ولم يكلف نفسه عناء السؤال البديهي لماذا تونس أولاً, ولماذا مصر ثانياً, في عالم الثورات العربية الحديثة, وما هو الضرر الذي لحق بالأردن سابقاً, عندما لم يكن هذا القانون موجوداً.
أيها السادة لا تنطلقوا من فهم غربي سقيم للدين قائم على عقدة نفسانية تاريخية, يمثل المرجعية الثقافية والقيمية لحياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدولية والإنسانية, وهو يطلب من الأمة أن تعيد بناء وحمل مشروعها الحضاري النهضوي الكبير والأصيل, البعيد عن التقليد, والبعيد عن الفهم المشوّه والمنقوص والمغلوط لدى فئة قليلة لا تنتمي لهذه الأمة ولا تنتمي لمشروعها الحضاري, بل هم أعداء الداخل.
العرب اليوم