الاصلاح نيوز : كتب – ناصر قمش /
تمثل الحالة المهنية لوسائل الاعلام اوسع النوافذ للاطلال على حالة الاعلام كاحد المعايير التي يمكن الاحتكام اليها عند الحديث عن حرية الاعلام ذلك ان مستوى التطور المهني الذي تتمتع به وسائل الاعلام ليس شرطا للارتقاء بسقف الحرية فحسب بل وضمانه في وجه تعسف الحكومات المختلفة على الصحافة والاعلام.
فالمهنية بابعادها التقنية والاخلاقية والقانونية اداة لكبح تطاول الصحافة ووسائل الاعلام على الافراد والجماعات والمؤسسات من غير وجه حق، وبنفس الوقت فانها تعتبر احد اهم الروافع لتطور المجتمع المدني من خلال اشراك الجمهور في صناعة القرار وكشف مواطن الفساد وتطوير المجتمع من مختلف النواحي والمجالات.
معظم الدراسات والتقارير التي تعرضت لوسائل الاعلام الاردنية اتخذت طابعا افقيا ولم تعط الحالة المهنية للاعلام حقها في الدراسة واتجهت نحو تسليط الضوء على الممارسات الحكومية، ومكونات المجتمع الاخرى تجاه الاعلام باعتباره الضلع القاصر بيد ان المسألة تبدو اكثر تعقيدا من مجرد الحديث عن السيطرة الافتراضية للحكومة على وسائل الاعلام وقدرة تمثيل وسائل الاعلام لمختلف مكونات المجتمع او قدرة وسائل الاعلام على ممارسة دورها الرقابي ومستوى الحماية الذي توفره القوانين والتشريعات (قلنا) انها اكثر تعقيداً من ذلك كله لتتعداه الى حالة وسائل الاعلام المهنية بمختلف ابعادها التقنية والحرفية.
ويتراوح المشهد الاعلامي في الاردن بين عدة قراءات، ففي الوقت الذي يقر فيه البعض بان الحريات الاعلامية لا تزال ترزح تحت وطأة عشرات القوانين فان اخرين يعتقدون بان التعديلات التي طرأت على بعض القوانين الاعلامية تبشر بمزيد من الحريات بيد ان ما لا يختلف عليه اثنان هو ان هنالك حالة قصور مهنية ترزح تحت وطأتها وسائل الاعلام وخصوصا الالكترونية منها بشكل جعلها عاجزة عن مجاراة بعض وسائل الاعلام في الدول المجاورة وجعلها اقل تنافساً وتأثيرا.
وبحسب بعض الدراسات فان مهنة الصحافة في الاردن تعتبر من المهن ذات المداخيل المتدنية، ونظراً لأن المؤسسات الصحفية تعاني من اختلال واضح في ميزانياتها السنوية لصالح النفقات التي تفوق الموارد، وهذا يدفع بعضها الى اتخاذ تدابير لتخفيض العجز في الميزانية، ومن هذه التدابير حرمان الصحفيين العاملين فيها من المكافآت والزيادات السنوية المناسبة ومن المزايا الأخرى.
وعلى كل حال، فان واقع الصحفيين في الصحف غير مريح، ويمكن تصنيف اغلبيتهم في خانة الفقراء، الامر الذي يدفع معظمهم للبحث عن مصادر دخل اضافية، وعلى الرغم من ان ذلك يخالف الانظمة الداخلية للمؤسسات الاعلامية ويتناقض مع التقاليد الصحفية التي ترى بأن على الصحفي الالتزام بالعمل بشكل مهني وحياد تام في مؤسسة صحيفة واحدة، حتى يتسنى له تقديم المادة الصحفية دون محاباة، او انحياز لطرف دون الآخر.
ويشار الى ان طبيعة عمل الصحفي تجعله عرضة لجملة من الاغراءات من ضمنها الاحتواء الناعم الناجم عن الضغوطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى الثقافية، وتضعه امام عروض لتحسين دخله، تقدمها جهات رسمية، ومن القطاع الخاص والاهلي لتحسين شروط علاقاتها مع المؤسسات الصحفية، ولا سيما الجهات التي لها تماس مباشر مع الجمهور، ويمكن ان تؤثر الموضوعات الصحفية التي تنتقد اداءها على صورتها امام الجمهور، مما يدفع القائمين على ادارة هذه الجهات لبحث كافة السبل المتاحة لتحييد الصحفيين الذين يكتبون موضوعات تمس هذه المؤسسات، على اقل تقدير، او تشجيعهم عبر مكافآت مالية او عينية او تقديم خدمات غير مباشرة، لكتابة مواضيع صحفية تتحدث عن انجازات غير حقيقية، او للدفاع عن هذه المؤسسات عندما تتعرض للانتقاد من جهات اعلامية.
والحقيقة ان التأهيل الاكاديمي للصحفيين في مجال الصحافة لا يشكل فجوة كبيرة بينهم وبين زملائهم الذين لم يحصلوا على تأهيل جامعي في مجال الاعلام وخصوصاً خريجي الجامعات الاردنية في هذا المجال وذلك يعود
لغياب الحرية الاكاديمية في الجامعات مما يحول دون تفاعل الطلبة مع الاحداث السياسية المحيطة بشكل يمكنهم من الحصول على معارف وخبرات.
و غالباً ما يتجه الطلبة الى دراسة الصحافة والاعلام باعتبارها الفرصة الوحيدة المتاحة امامهم نظراً لتدني معدلات القبول في الجامعات لهذا الاختصاص علماً بأن ممارسة الصحافة تتطلب ثقافة واسعة واستعداداً شخصياً، يمكن ان يتكامل مع التأهيل الاكاديمي.
كما ان الخطط الدراسية المطروحة في الجامعات في ميدان الاعلام لا تواكب التطورات العالمية في مجال الصحافة وتكتفي بالتركيز على المهارات التدريبية المحدودة، وهو الامر الذي يستلزم من الخريجين فترات تدريب طويلة في الصحف، ووسائل الاعلام لمجاراة التطورات التقنية والفنية في هذا المجال ومن غير المستغرب ان نجد صحفيين غير حاصلين على تأهيل أكاديمي يفوقون زملاء لهم من خريجي الجامعات في مجال الاعلام بالمهنية والحرفية على الرغم من ان اعمارهم المهنية متساوية.
بيد ان وسائل الاعلام الاردنية ايضاً تعاني من ذات اشكاليات المؤسسات الاكاديمية لجهة عدم اهتمام بعضها بقضايا التدريب وتطوير المهارات للصحفيين عبر توجيههم لاحتكار اساليب جديدة للبحث والتحري والاستقصاء او الحاقهم بدورات متخصصة، فغالباً ما تنصب مكاسب الصحفيين من مؤسسات على المنافع والامتيازات المادية.
وبشكل عام فانه يمكن اجمال معيقات تطور الحالة المهنية للصحفيين ابرزها تجذر الممارسات المهنية القائمة على نمطية الاعلام الاردني في الفترات المتوترة من تاريخ المنطقة في سلوكيات المهنيين، وتفضيلهم للعمل في اطار الاعلام الموجه على العمل في الاعلام المبادر الاقرب للتوجه الليبرالي للقيادة.وعدم تطوير الاداء المهني للمشتغلين بالاعلام، نتيجة لظهور العديد من المنابر التي استغلت تطور وضع الاعلام دون ان تحمل مشروعات حقيقية وفاعلة.
وفوق ذلك كله ضعف اداء نقابة الصحفيين الاردنيين، وتمسكها بالاداء التقليدي كنقابة مهنية لا تتضح فيها الحدود الفاصلة بين مصالح اعضائها، ودورها التعويضي للمنابر السياسية، وهذه ازمة عامة تمس العمل النقابي في الاردن.وغياب الرقابة على حقوق الملكية الفكرية، وحقوق المؤلفين وما يستتبع ذلك من ظواهر غير صحية في جسد العمل الاعلامي الاردني.
غير انه من الجائز ان هذه الظواهر ستتراجع امام التفاعلات التي فرضتها رياح التغيير في العالم العربي التي سبقت توقعاتهم وفتحت لهم افاقاً جديدة تتناسب مع رؤية شاملة للمستقبل، ومن الطبيعي ان العادات المهنية لا تتطور بذات المعدل
وهو ما يفتضي من الصحفيين اصلاح بيتهم الداخلي بالتوازي مع المطالبة بالاصلاحات الوطنية.