أتاحت تقنية التعليق الألكتروني للقراء, توجيه النقد المقروء للكتّاب. وهو ما يشكّل نقلة ديمقراطية في الحوار العام. لكن ثلاثة أرباع تعليقات القرّاء الألكترونية ليست نقدا ولا تلتزم بضوابطه الفنية والأخلاقية . ولذلك, لم أعد أشعر بأنني أفيد من الإطلاع عليها.
يزورّ القاريء الأردني, كما لاحظت, عن المقالات والتحليلات التي تعنى بالشؤون العربية والدولية. وبذلك, انتقلنا من النقيض إلى النقيض. فمن تعلّق الأردنيين المَرَضي بما يحدث خارج الحدود, إلى اندراجهم في الغرق في الشؤون المحلية, وكأن الأردن جزيرة نائية عن الجغرافيا والتاريخ!
بعض التعليقات يكشف أن القاريء لم يقرأ, أو أنه قرأ بتسرّع, أو أنه لم يبذل جهدا في محاولة الفهم. وهو, مع ذلك, ينبري لكتابة تعليق يعبّر عن تحيّزاته المسبقة الراسخة, فكأنه لا كتابة ولا قراءة ولا ما يحزنون.
ومن عيوب القراءة, الخلط بين التحليل والموقف. ومن خصائص التحليل المستند إلى معطيات وخبرة وفن, أنه قد يخدم استنتاجات مختلفة, لكن أهميته هي أنه يشكّك في التحيّزات ويعمّق المواقف بصورة تجعلها أكثر عقلانية.
أريد أن أوضّح, بجلاء, أن تحليلاتنا حول سياسات الإخوان المسلمين, مثلا, لا علاقة لها, أولا, بالإسلام نفسه, إلا إذا أعتبرنا أن المقاربة الإخوانية هي جوهر الإسلام! ثم أنها, لا تصدر, ثانيا, عن عداء مسبق “للإخوان”, لكنها تمثّل النقد اللازم لقوة سياسية تطرح نفسها لقيادة العالم العربي, من خلال اقتراح سياسات اقتصادية واجتماعية لا تختلف عن السياسات النيوليبرالية المتوحشة, سوى بادعائها تطبيق تلك السياسات نفسها, بلا فساد. وأنا أرى أن مشكلتنا مع النيوليبرالية ( حرية السوق المطلقة والتجارة والخصخصة وجذب الاستثمارات الخ) وليست فقط مع الفساد. بل أن النيوليبرالية, بحد ذاتها, مولدة للفساد بشكل تلقائي.
وقد كفانا الإخوان المسلمون المصريون , عبء التحليل, حين أعلنوا, صراحة, أن سياسات مبارك الاقتصادية “صحيحة”, ولكن أضرّ بها الفساد. أما أن تلك السياسات مولّدة للفقر المعمم والبطالة من جهة وللثراء الفاحش من جهة أخرى, فحلها, عند الإخوان, بالعمل الخيري.
وإذا كان ” الإخوان”, تحت ضغط البراجماتية, مستعدين, كما أظهروا, لتعزيز علاقات التبعية مع الولايات المتحدة والغرب, ومستعدين لدعم معاهدات السلام مع العدو الإسرائيلي, فسنكون أمام سؤال هو ما الذي يتغيّر واقعيا باستلام “الإخوان” للسلطة? شيئان هما, أولا, الانتخابات كوسيلة للوصول إلى الحكم, تجدّد شرعية القهر الطبقي والقومي باسم الديمقراطية, وثانيا, فرض نمط ديني صحراوي على الثقافة الإسلامية المتحضرة في بلدان الأنهار والمطر والخضرة والمدنية.
في هذا الإطار, نرى الأزمة السورية; فنحن لا نصدر عن تحيّز مسبق للنظام السوري, وإنما عن فهم لمخاطر البديل المقترح من قبل معارضة مدعومة من الغرب والخليج, ستؤدي إلى تفكيك الدولة السورية التي لا تلتئم إلا في دولة مدنية. فسورية, بعكس تونس مثلا, متعددة الطوائف والمذاهب والاثنيات, ولا يمكننا دعم خطة سوف تحوّل نصف الشعب السوري إلى مواطنين من الدرجة الثانية, أو تقسّم البلد, ولا يمكن الحديث عن “نظام معزول” وينبغي اسقاطه, حين يحظى بتأييد أكثر من نصف السوريين.
أين ذلك كلّه من التهجمات الطائفية عليّ كوني ” نصرانيا”?! فهل ” النصراني” مواطن من الدرجة الثانية لا يحق له ممارسة النقد الفكري والسياسي والمشاركة في الشأن العام?
أولا, المسيحية الأردنية العربية, ليست مستوردة ولا جالية, بل جذر البلد وجزء أصيل من تكوينه, وثانيا, لا يلاحظ العمي الطائفيون أنني أصدر عن رؤية ماركسية صريحة ووطنية أردنية وروح عربية لا علاقة لها بالنصرانية ولا بالإسلام. وأنا أحترم المتدينين, ولكنني علماني, بل أحترمهم, خارج السياسة, على السواء, لأنني علماني ! .