يعمل كوفي أنان بحماس فريد ويتنقل بين أماكن كما لو أنه يشتري هدوءا من العواصم التي يزورها. لكنه لن يتفاجأ لو أصيبت مبادرته بالفشل، في الحالة السورية لا يتوقع المرء سوى الفشل، ورغبة الدول التي تلعب بالواقع السوري هي هكذا، أن تظل المحنة لكي لا يظل الرئيس السوري على كرسيه .. هذا الرئيس هو الهدف إما بالتنحي أو بالاعتيال، وفي الحالتين لا يدري أحد أين ستصبح سوريا وكيف هو حال مجهولها المخيف؟ لكأن اللاعبين بالداخل السوري يودون الوصول إلى سوريا المجنونة في الداخل، الكل يأكل الكل، والجيش يأكل نفسه، والقوى المتصارعة تغير على مدنها وقراها وأريافها لتأكلها وتسحقها. هم يريدون خربطة النسيج السوري وشكله الاجتماعي، ولن يتراجعوا على ما يبدو عن هدف مهما كانت تكاليفه المادية ومواقفه المعنوية.
كان على أنان أن يسافر نحو البلدان اللاعبة في الشأن السوري والمتدخلة فيه، ليس حبا بحفظ مقام النظام وبقائه فقط، بل من أجل سوريا بمعناها الوطني والقومي، وبجغرافيتها التي تتجاوز حدودها الحالية. وكان على أنان أن يشترط على تلك القوى وقف إمداداتها لمعارضي النظام الذي يمكنه وقف النار في دقائق، لا تحتاج قرارات النظام السوري لوقت طويل كي تأخذ طريقها إلى التنفيذ .. حاجة النظام إلى التهدئة أساسية، ويعرف أنان أن وقته الثمين قد يتحول إلى عبء عليه إذا لم يتم تنفيذ مخطط إيقاف القتال.
لعل أنان يخوض تجربة قاسية مع محترفي سياسة يمكنهم التلون كلما اقتضى الأمر دون أي تنازل عن شروطهم والتي في طليعتها إسقاط النظام. يحتاج أنان إلى معرفة مقاييس تلك الفكرة الجهنمية، إذ ليس أمام إسقاط النظام سوى مجهول مخيف، قلنا عنه الجنون وهو أكثر بكثير من هذا الوصف. لا يفترض النظر إلى سوريا وتشبيهها بأي من البلدان العربية التي وقع فيها الحراك، ليس لتلك البلدان روابط أوسع من حضورها الخاص، فيما لسوريا امتداداتها التي هي في الوقت ذاته عوامل صيانة المنطقة من كل ما قد يأخذها إلى هدف جهنمي.
اليوم هو الاختبار الذي سيوثقه أنان كي يعرف مصير حراكه، لكن عليه قبلها أن يسمي الأشياء بأسمائها إن هو أعلن فشله، وإن لم يعلن فعليه أن يقول من وراء أسباب نجاحه. وقبل هذا وذاك، لا بد من إشارة إلى مصدر الخطر الخارجي على سوريا قبل أن يطالب النظام السوري بوقف النار. يقينا إن أنان بات على دراية كاملة بدقائق الحالة السورية وما تتطلبه في المديين القريب والبعيد. كلمة أخيرة لأنان، إن سلام المنطقة وربما العالم بات مرهونا بالسلام في سوريا.