لا نعرف بعد الأسباب التي دفعت الحكومة لتبني قانون الانتخاب المقترَح, لكن من الواضح أن مراكز القرار توصلت إلى نتيجة مفادها ضرورة المحافظة على صيغة تمثيل ترَجِح القوى التقليدية على ما قد اعتبرته مغامرة إتاحة الفرصة لتمثيل أوسع يعتمد تنوع وتعددية الفئات والاتجاهات السياسية.
أي أن الهدف الواضح من القانون الحالي هو تعزيز الانتماء العشائري والإقليمي والمناطقي وبالتالي إضعاف وتقويض ثقافة سياسية مبنية على وعي بالحقوق المدنية والدستورية وتغليب المصلحة الوطنية على مصالح فئوية ضيقة ومتنافرة.
الواضح أيضا أن هناك تغييراً مهماً من توجه لتفاهم يؤدي إلى مشاركة الإخوان المسلمين إلى النقيض تماما وتبني مشروع قانون انتخاب يهدف إلى تهميش قوة الإخوان المسلمين الانتخابية والتمثيلية.
لكن النظام المقترح لن يضرب نفوذ الإخوان المسلمين الانتخابي فحسب بل كل ثقافة التنظيم الحزبي والعمل المنظم الجماهيري لكل التيارات , وسيؤدي إلى عودة التخويف من الأحزاب السياسية والعمل السياسي والجماهيري بشكل عام.
فمجرد اقتراح قائمة وطن مخصصة للأحزاب يعبر عن سياسة مدروسة ومتعمدة على الفصل الذهني بين تمثيل الشعب وتمثيل الأحزاب وبالتالي ما بين مصلحة الحراكات الشعبية وبقية الشعب في تصور خبيث لاستغلال الانتخابات كأداة سيطرة وتلاعب بالمصالح الشعبية ومصادرتها كأداة تمثيل للارادة الشعبية.
التغيير, إن لا نعرف تفاصيل حيثياته, في جزء منه يعكس تخوفاً من تبعات استقواء الحركة الإسلامية في حالة سقوط النظام السوري.
وبناء على الاستنتاج فإن هدف النظام الانتخابي هو في استعادة دعم قوي وواسع من العشائر, باعتبارها قاعدة النظام الأصلية , وتهميش الإسلاميين, باعتبارهم تنظيما يستمد قوته ونفوذه ليس من الداخل الأردني فحسب بل من انتصارات تنظيما الإخوان على امتداد الوطن العربي.
هناك أكثر من خلل خطير في مثل هذا الحل إذ ان النظام الانتخابي لن ينجح بالضرورة باسترضاء العشائر, بل بتقوية الانقسامات العشائرية, لأنه لا يمكن الفوز برضا أي فئة واسعة في الأردن, من دون تقديم وتنفيذ تغييرات شاملة من سياسات تنموية اقتصادية, وشفافية , وإطلاق الحريات , وضمان نزاهة وحرية الانتخابات وبناء دولة الحقوق المدنية. إذ ان هذه سياسة بالية خاصة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة, وبعد أن أصبح شعار “حقوق لا مكارم” , يرفَع وينتشر بين شباب العشائر خاصة الذين انضموا أو يقودون الحراكات.
أي أن صناع القرار يعتقدون أن مثل هذا النظام سينأى بشباب العشائر عن الاندماج في الحراك الشعبي, وبالتالي التراجع إلى خنادق عشائرية وإبعاده عن العمل السياسي ذي الرؤية الوطنية الأعم الأوسع والأشمل.
أما عن الإخوان المسلمين, فليس مفهوماً ولا يبدو منطقياً أن يكون تقليص قوتهم الانتخابية عن طريق نظام انتخابي يؤدي إلى نتيجة مزيفة لقوتهم الحقيقية في الشارع.
اعترف أنني كنت من الذين عارضوا ما رشح من تسريبات حول نظام انتخابي يسترضي الاخوان على حساب الفئات الأوسع في مجموعها الأضعف تنظيماً أو لا تنظيم لها, ولكنني أيضاً عارضت أي فكرة لإقصاء الأخوان, وكنت من المؤيدين لنظام انتخابي يعكس قوة الإخوان من دون انتقاص المجاميع الانتخابية الأخرى لصالح نظام التمثيل النسبي في سبيل تدعيم ثقافة حزبية ووعي سياسي من دون خوف أو تعصب.
لكن تزييف قوة الإخوان المسلمين الانتخابية هي عملية خداع للنفس ستزيد من الاحتقان في صفوفها وقد تدفع بعض قواعدها التنظيمية إلى التطرف.
لكن الحكومة عملت بالمثل الشعبي “يا طخه يا اكسر مخه”, ولجأت إلى حل هو مشكلة بحد ذاته, باللجوء إلى قانون يعتمد سياسة فَرق تَسد”, ناسية أن لا سيادة من دون حلول حقيقية لأن المشاكل حقيقية – فالاستياء هو شعبي بامتياز وهو الذي يعزز اتساع قاعدة الإخوان والتململ العشائري وأي من حالات الاحتجاجات المطلبية والسياسية منه.
بالنهاية, فالخطر الاكبر ليس في نتيجة الانتخابات بل بتزييف نتائجها خاصة, واستعمالها للتفريق بين أبناء الوطن – فكل ذلك لن ينزع فتيل الانفجار بل قد يزيده اشتعالاً لما في ذلك من تقويض للوحدة الوطنية والثقة الشعبية بالدولة ومؤسساتها.
العرب اليوم