محمد البدارين /
نتفهم حساسية بعضنا من مواجهة الحقائق ، ،ونعرف ان بعض الاسئلة اجوبتها مزعجة ، لذلك كنا نتركها لعل الزمن يجيب عليها ، لكن الزمن الان هو الذي يطلب منا الجواب ،وحرصا على الوقت فاننا نفترض ان الجميع يعرف ان كل او معظم الكيانات العربية القائمة الان هي نتاج الحرب العالمية الاولى ، ويكفي ان يلقي المرء نظرة خاطفة على خارطة الوطن الكبير ليلاحظ كمية الخطوط المستقيمة المرسومة بشكل هندسي او شبه هندسي بين كل هذه الكيانات العربية القائمة التي تحولت الى حقيقة واقعة بقوة الاستعمار والاستمرار على مدى قرن تقريبا.
،ونعرف ان الدولة الاردنية الحديثة التي ظهرت الى الوجود عام 1921 ،اصبحت دولة مستقلة منذ العام 1946 بأسم المملكة الاردنية الهاشمية ، وبكل تأكيد لم تكن هذه الدولة عند ظهورها او عند اعلان استقلالها بدون شعب او بدون ارض ولا بدون دستور وملك ، فشعبها في لحظة استقلالها هم سكان هذه البلاد الموجودون فيها سواء من مضى على وجوده فيها عشرسنوات انذاك او مئات السنين ، رغم ان مناحيم بيغن لم ير فيها سوى جمال واطلال ، حين عبرها قادما من العراق عام 1942 في طريق هجرته من بولندا الى فلسطين ، ولا نستغرب ان يقول بيغن ذلك فالاردن ،بالنسبة له جزء من “ارض الميعاد” التي ،لطالما قيل انها ارض بلا شعب ، مثلما لا نستغرب ان تظل دوائر وجهات كثيرة تردد نفس الكلام عن الاردن حتى لحظة اعداد هذا المقال ، لاننا نؤمن ان الصراع هنا كان من البداية على الارض ، لذلك كان من الطبيعي نفي وجود الاخر في هذه الارض لنفي حقه فيها!
،
ونعرف انه كنتيجة ،للحرب عام 1948 ضم الاردن لمملكته المستقلة جزءا من فلسطين اصبح يسمى الضفة الغربية، وقامت هذه الوحدة رغم عدم الاعتراف العربي والدولي بها، على اسس معقولة ، وبموجب اتفاقية الوحدة المبرمة في نيسان عام 1950 اصبح اهالي ما عرف لاحقا بالضفتين الشرقية والغربية مواطنين اردنيين في مملكة واحدة يتقاسمون وفقا للقانون مقاعد برلمان الدولة مناصفة،ويتشاركون بدون محاصصة في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها المختلفة بما فيها الجيش والامن والمناصب السيادية، على ان اتفاقية الوحدة رغم تأكيدها على تساوي المواطنين في دولة الوحدة بالحقوق والواجبات ، الا انها اكدت على كامل الحقوق العربية في فلسطين وعدم المساس بالتسوية النهائية لقضيتها.
،كان ممكنا ان يستمر ذلك الوضع حتى الان ، لولا ظهور منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 ، التي هز ظهورها شرعية تمثيل دولة الاردن لاهالي الضفة الغربية ، حيث تطور التنازع السياسي بين الدولة الاردنية ومنظمة التحرير بعد حربي حزيران 1967وايلول 1970 حول تمثيل الفلسطينيين وبالتحديد حول الجزء الاردني من الفلسطينيين ، الى ان حسم النزاع لصالح المنظمة وتم الاعتراف بها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني في قمة الرباط عام 1974 بضغط عربي وتأييد دولي ، وكان الاردن قد وافق على ذلك مضطرا بعد مرافعة تاريخية قدمها الملك الحسين في القمة احتج فيها (بأن جموع الفلسطينيين الذين اصبحوا من مواطني الدولة وجزءا كبيرا من شعبها في الضفتين وحملوا جنسيتها لا نستطيع ان نقبل ان حكومة هؤلاء المواطنين لا تمثلهم ولا تنطق باسمهم ولا تتولى قضيتهم وانما تقوم بكل ذلك ومن فوق سلطة الدولة وحقها منظمة التحرير الفلسطينية) لكن الاصرار الفلسطيني والعربي على وحدانية تمثيل المنظمة لكل الفلسطينيين كان قاطعا بشكل انهى فيه الملك حسين خطابه للزعماء العرب بقوله (اذا اصر المؤتمرون ان المملكة الاردنية ليست لها صفة شرعية ، للتكلم باسم الفلسطينيين الذين يعيشون في كنفها ويحملون جنسيتها واذا كانوا يرون ان هذه الصفة الشرعية منحصرة في منظمة التحرير الفلسطينية وحدها فانني بأسم المملكة الاردنية الهاشمية احملّهم وحدهم مسؤلية رأيهم وقرارهم وكل النتائج المترتبة عليه واعتبره اعفاء لنا من مسؤولياتنا السياسية الاساسية الراهنة،ونترك الحكم على هذا القرار للتاريخ) وعاد الملك حسين من الرباط الى عاصمته عمان الكثيفة السكان ، لكن الجماهير المنتقصة حقوقها لاحقا ، لم تخرج لاستقباله في المطار لتعلن رفضها لقرار الرباط وتتمسك بدولتها وملكها وحقوقها ومقاعدها ؟!
،لم تتحرر الضفة الغربية كما كان متوقعا في حينه للاسف ، ولم تقم دولة المنظمة ، ولم يتخذ الاردن اجراءات لفك ارتباطه مع الضفة الغربية التي كان الكثير من سكانها ولاجيئها قد نزحوا الى الضفة الشرقية في حزيران او بعده ، وظل الاردن والمنظمة في حالة اشتباك سياسي لم تتوقف ، ثم حاولا التشارك في اوائل الثمانينيات من دون جدوى، وفي عام 1986 القى الملك الحسين خطابا تاريخيا اخر استغرق عدة ساعات ليلية شرح فيه معاناته مع المنظمة على امل ان يتغير الموقف الشعبي الفلسطيني في الصباح خصوصا موقف فلسطينيي الاردن والضفة ، الا ان ردة الفعل المأمولة لم تحدث ، ومضت المنظمة واحدة لا شريك لها في تمثيلها لكل الفلسطينيين في كل مكان ، واحبطت مشروع التنمية الاردنية في الضفة ووصفته بانه مشروع للتقاسم الوظيفي مع الاحتلال ، وجرى تهديد نواب الضفة واغتيال ظافر المصري الشخصية البارزة المؤيدة للاردن واندلعت الانتفاضة الاولى عام 1987 ، ثم اعلنت المنظمة قيام دولة فلسطين في المنفى عام 1988 ، بعد ان مهدت لذلك بالضغط على الاردن لفك ارتباطه بالضفة الغربية فايقن الملك حسين انه استنفذ كل الفرص ، فقرر فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة في تموزعام 1988 استجابة للمطلب الفلسطيني المستمر وهو القرار الذي كان يمكن اتخاذه بكلفة اقل على الجميع عام 1974 او عام 1964.
،بالنسبة للمنظمة لا توجد مشكلة تذكر فيما يتعلق بتمثيلها لشعبها بكيان على الارض او بدونه ، اما بالنسبة للدولة الاردنية فمشكلتها قائمة في الواقع الفعلي فنصف سكانها تقريبا قد يكونون اردنيين وقد يكونون فلسطينيين او اردنيين من اصل فلسطيني حسب التسمية الاخيرة ، وارضهم التي كانت جزءا من المملكة احتلت من قبل اسرائيل اولا ثم اصبحت شبه محتلة او تحت ولاية مشتركة من اسرائيل والسلطة الفلسطينية ، انه وضع معقد نظريا وهو اكثر تعقيدا على الواقع وكانت له افرازاته السلبية الكثيرة التي عانى و يعاني منها الجميع حتى الان.
“، اسرائيل تنازعني على الارض اما الملك حسين فينازعني على الارض والسكان “!، هذا ما قاله ياسر عرفات قبل فك الارتباط ، بشكل نفهم منه ان المشكلة مع الملك حسين اصعب لو ان الارض ليست هي اصل الصراع ولو انها بحوزة احدهما، لكن المأساة ان الصراع كله على الارض وليس على السكان ، فاما ان تكون تلك المدينة هي القدس او اورشليم، اما ان تكون تلك الارض هي الضفة الغربية المحتلة او ان تكون يهودا والسامرة ، واما ان يكون هذا البلد هو الاردن او اي شيء اخر ، ولانه صراع على الارض فان اسرائيل معنية بحل مشكلة السكان فقط ، وجهودها واضحة في هذا المجال على الدوام لاقناع كل دول العالم لمنح حقوق الاقامة والمواطنة للفلسطينيين وتحسين احوالهم لديها لعلهم بمرور الوقت وتعاقب الاجيال سينتمون لاوطانهم الجديدة ويكفّون عن ازعاج اسرائيل.
،لكنها الحقيقة ، التي هي بطبيعتها اكبر من اسرائيل ، ستظل واقفة في مواجهة كل الاطراف، فالحقيقة التي لا قبل لاحد بمواجهتها ، تؤكد يوما بعد يوم ان فلسطين لم تكن ابدا ارضا بلا شعب ، وان الناس الذين لم يرى مناحيم بيجن سوى اطلالهم في الاردن هم الشعب الاردني الذي اعلن عن نفسه بوضوح لا لبس فيه ، في مؤتمره الوطني الاول في عمان عام 1928، وتلك ايضا هي حقيقة وجود شعب فلسطين تعلن عن نفسها الان في اسرائيل ، وها هي حقيقة وجود شعب فلسطين في الضفة الغربية المحتلة وغزة المحررة ، وتلك هي حقيقة القرار الشهير 242 اقوى من اوسلو ووادي عربة ، وهذه هي حقيقة وجود اللاجئين والنازحين في مخيمات الاردن اقوى من كل اختراعات معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى (الحقوق المنقوصة) و(شتى الاصول والمنابت)و(الوحدة الوطنية بالعكس ) وهذه هي من جديد حقيقة الشعب الاردني التي تتعرض للانكار بصورة مركزة تقلب الصورة المتعوب على تشويهها رأسا على عقب لتصبح هذه الصورة نفسها دليلا اضافيا يؤكد حقيقة شعب الاردن بدلا من ان تنتقص من قدره.
،لا احد في عجلة من امره الا الخائفون ، ولا دخيل بيننا الا الدخلاء الذين لا يؤمنون بوطنهم وشعبهم وامتهم حتى لو اثبتوا وجودهم في الاردن منذ الازل ، ولا اصيل بيننا الا من يؤمن بوطنه وشعبه وامته حتى لو لم يمضي على وجوده في الاردن ،الا عشر سنوات ، فلا يجوز ان ينزعج اي اردني مؤمن بالاردن وشعبه وعرشه من حداثة انتمائه لوطنه زمنيا، فكل ما يشتكي منه الناس في هذا المجال لم يكن الا نتاج ممارسات ادارية تطبع سلوك الحكومات في الدول غير المتقدمة لاسباب تتعلق باخلاقيات الوظيفة العامة اكثرمن تعلقها بسياسات الدولة او ثقافة الشعب، وهي ممارسات لم يسلم منها اردنيون من اصل اردني ممتد لمئات السنين.
،انها الحقيقة اذن تدافع الان عن نفسها بنفسها ، وهي التي تشرح وتقارن بين دراسة عصام سخنيني في مركز ابحاث المنظمة في بيروت عام 1975 وكتاب الاردنيون والفلسطينيون الصادرعن معهد روبرت ساتلوف عام 1999، لا اختلاف بين الدراستين ولا اهمية لهما الا بمقدار حضورهما بلهجة مختلفة في ساحات الجدل في عمان حول العدل والمساواة وحول عدالة التمثيل البرلماني والسياسي للاردنيين من شتى المنابت والاصول او من اصل فلسطيني بالتحديد.
،لم يمت شارون حتى الان ، وهو الذي يقول انه لا داعي ان تكون للفلسطينيين دولة غربي النهر لان دولتهم قائمة هناك شرقي النهر و يؤكد ان لا مانع لديه ان رغبوا ان يضعوا على رأسها من يريدون فهي دولتهم ، هذا هو اوضح شرح لمفهوم الوطن البديل ، واذا اردت ان تكون ليبراليا في عمان يمكنك ان تقول كما قال شارون ،بعبارات اخرى كأن تقول يجب ان توزع مقاعد البرلمان على الدوائر الانتخابية حسب عدد السكان ويجب ان تكون الحكومة تمثل الاغلبية البرلمانية او منتخبة ويمكن ان تطالب بالملكية الدستورية ، ولا مانع ان تعلن، بنفس الوقت بانك ضد الوطن البديل فلا احد سيسألك بعد كل ذلك ما هو الوطن البديل اذن؟! ويمكن ان توعز الى وكالة رويترز عبر مراسلها المحلي لتنشر المزيد من التقارير عن قانون الانتخاب المتخلف الذي يخصص مقاعد كثيرة لمناطق عشائرية يندر فيها السكان ، من دون ان تطلب من الهيئات الدولية المهتمة بالمحافظة على بقاء الكائنات النادرة ان تهرع للمحافظة على بقاء هؤلاء السكان النادرين المهددين بالانقراض، ولا مانع ان تقول من خلال المراسلين ان القوى التقليدية المحافظة في البلاد تعرقل مشروع الملك الاصلاحي، فقد يصدّق الملك ، فالتقرير سيأتيه عبر رويترز او الواشنطن بوست وليس منك؟!!!!.
،الوطن البديل فكرة اسرائيلية حقيقية وقائمة ومنطقية وقابلة للتطبيق حسب رأي الاسرائيلين، وهي مرحب بها من قبل بعض الاردنيين وبعض الفلسطينيين بقصد او من غير قصد لا بل ان لها مراكز ترويج محلية ، وهو مشروع يخدم هدفا اسرائيليا استراتيجيا للتخلص من مشكلة السكان وتصفية قضيتهم اوالحد منها ما امكن، حيث لا مشكلة امام اسرائيل للاحتفاظ، بالارض غير مشكلة السكان حاليا ، خطط كثيرة قيد البحث وقيد التنفيذ منها اقتراح تبادل الاراضي ذات الثقل السكاني مع السلطة الفلسطينية، ومنها يهودية الدولة العبرية،ومنها حث الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين لاستيعابهم وتحسين ظروف معيشتهم وتوطينهم، ومنها تشجيع اية دولة اينما وجدت على تجنيس الفلسطينيين واكرام وفادتهم بقصد التخلص من حقيقة وجودهم وطمس اثار الجريمة الاصلية.
،ليس بالضرورة ان نغير اسم الاردن فليبق اسمه كما هو فالمهم بالنسبة لنا نحن اصحاب المشروع ،الاصلي ووكلاءه الفرعيين والعاملين من اجله، المهم هو المضمون الذي عندما ننجزه سينهار الشكل تلقائيا وسيكون الاسم ان بقي مثل اسم ابو بكرالصديق على شارع الرينبو الذي سيزول اخيرا بقوة المضمون وسنبرر تغيير الاسم بأننا نريد شارعا اخر يليق بأبي بكر.
،تلاعبات في الافكار والاعلام وحمى مصطلحات واسماء واستعمال مفرط، لكلمات كرهها الزوارالاجانب الباحثون عن شيء اخر غير تملقهم وعرض انفسنا لهم على هيئة فولكلورية او على هيئة تستنسخهم ، لذلك ابحثوا عن صيغ عادلة وغير ضارة ، وحتى اذا كان الهدف الربح فانه لن يربح احد على الاطلاق حتى صاحب المشروع الاصلي ، وقد تكون الخسارة في النهاية افدح مما يتصور اكثر المتشائمين.
،لذلك من المفيد ان يتذكر كل المتداخلين ان الصراع الاساسي في هذه المنطقة هو بين اسرائيل واهل الارض التي تحتلها ، واهل هذه الارض ليسوا فقط الفلسطينين ، فحتى لو تنازل كل الفلسطينيين وكل الاردنيين عن فلسطين فان الصراع لن ينتهي ، فهذه البلاد ضحى من اجلها العراقيون امس بكيانهم ومصيرهم ، وضحى من اجلها عرب ومسلمون كثيرون عبر تاريخ طويل ومعقد ، فوق تضحيات الفلسطينيين والاردنيين واللبنانيين والسوريين والمصريين ، لذلك فان اية تسوية لن يكتب لها النجاح الا اذا كانت تسوية عادلة ومنصفة ومقنعة للجميع بمن فيهم ايران ، وتعلم اسرائيل اكثر من غيرها ان هذه هي الحقيقة الخطيرة ، لذلك نرى اسرائيل لا تاخذ على محمل الجد كل الذين تتفاوض معهم لان ايا منهم لايمكنه ان ينوب عن كل الورثة ، فالتعقيد في الصراع ليس اختياريا فهذا الصراع هذه هي طبيعته ولم يخترها احد رغبة في التعقيد.
كل الاكاذيب تحرينا عنها من ايام لورنس وتشرتشل حتى ايام ميتشل ، فعبدالله الاول خرج من الحجاز من اجل انقاذ مملكة فيصل المكتملة السواحل ، يحاول ملكا او يموت فيعذر ، وكذلك كان ، فموازين القوى ظلت تعانده حتى لحظة اغتياله ، وكذلك عاندت والده الشريف حسين الذي نقل مخفورا من العقبة الى قبرص ، فاوصى ان يكون له مجرد قبر في القدس في رسالة واضحة للتاريخ ، ولنفس السبب رفض ياسرعرفات كامب ديفيد الثانية لكنه لم ينج من الموت في النهاية ، وفي نفس السياق مات عبدالناصر كمدا وشنق صدام واغتيل فيصل بن عبدالعزيز واغتيل السادات واخرون ، فالموضوع اعمق واعقد واخطر مما يعتقد من يريد مقاعد في البرلمان الاردني او في سلطة رام الله .
لا نبرىء احدا من طموحات شخصية ، لكننا وبعيدا عن اي خطاب تعبوي ، نستنتج ان الامير عبدالله كان قادرا على فهم الاوضاع السائدة في زمنه وفق اعتبارات عقلانية دقيقة وانه كان يتقدم ويتراجع بحكمة وفق معطيات استراتيجية واضحة ،وكان بوسعه لو كان صاحب كل القرار ان ينقذ ما هو ابعد من حدود التقسيم المأسوف عليها الان ، لكن منطقا براجماتيا حكيما في اجواء الحماسة والمحاور لم يكن سهلا ان يسود ، ونستنتج ايضا ان الذين رفضوا قرار التقسيم كانوا مستعدين لقبوله لو ضمنوا ان الدولة العربية المقترحة وفق القرار لن تقع تحت سيطرة الملك عبدالله .
كانت المشكلة بصورة ما ان الدولة المنتدبة واليهود لم يكونوا مستعدين لقبول فراغ في المنطقة العربية وفق قرار التقسيم او قيام سلطة فلسطينية متصارعة وغير مستقرة ، وبالمقابل كان الحاج امين الحسيني لا يريد سيطرة عبدالله على المنطقة ، فانتهى الامر الى الحرب ثم نجح الجناح الموالي للاردن مدعوما بالوجود العسكري الاردني على الارض في حسم الامور لصالحه تدريجيا ، وهو ما يفسر لنا الغموض السائد خلال عامين تقريبا في فترة ما بعد الحرب عام 1948 وحتى اعلان الوحدة عام 1950 .
زادت الامور تعقيدا بسبب الاغتيال السريع والمفاجىء للملك عبدالله القادر بحكم موقعه في قلب الاحداث من البداية ان يواجه الازمات اللاحقة وتجنب حرب حزبران ، لكن الامر الواضح ان الهوية الاردنية الرسمية لدولة الوحدة كان خطأ ذا تأثيرات سلبية لاحقة ، وهو ما حاول علاجه مشروع المملكة، المتحدة عام 1972 الذي رفضه الفلسطينيون فورا.
قصة معقدة بشكل اجباري فالرئيس وصفي التل المحبوب شعبيا عبر مسيرته في حكوماته منذ 1962 جرى ربط شعبيته بحرب ايلول ليصبح ذكره بحد ذاته مسألة قابلة للتفسير ، وتتعقد الامور اكثر بعوامل اخرى تلعب فيها الاقدار لعبتها لتجعل من ملف العلاقات الاردنية الفلسطينية قضية قابلة للاستغلال بسهولة من قبل كل من يرغب ،، وجاهزة لاختلاق ابطال خارج ساحة المعركة الحقيقية حيث يموت الابطال الحقيقيون في ساحات الوغى كما مات يحيى عياش مرتديا الكوفية الحمراء من دون ان يقصد تعزيز الوحدة الوطنية في العبدلي ، لانها خارج حسابات الميدان الحقيقي.
ان المقاعد الكافية للمكون الفلسطيني كما اصبح يسمى يجب ان نطلبها من اسرائيل وبريطانيا وامريكا ، فالذي هجر شعب فلسطين هم هؤلاء وعليهم ان يتحملوا مسؤولية جريمتهم ، اما اذا كان بعض الفلسطينيين تنحصر مشكلته بمقاعد برلمانية فالموضوع يفتح مزيدا من الاسئلة ويستدعي اجوبة اكثر حساسية !!
،
،