لايحق للمتمردين وضع شروط على دولة نظامية.. سلاحهم القاتل في الظلام لعبة بيد الآخر، ذاك الذي يضخ الحياة فيها. لايحق للمتمردين على الدولة أن يقرروا وهم الخارجون على القانون: قانون النظام والدولة والسلطة، وقانون الشعب وحياته، وقبلها قانون الله، ومن ثم الضمير. صار هم المتمردين اسقاط النظام بالسلاح، بقوة التحدي التي لا تليق، بلعبة لها مقاييسها ممن هم خارج البلاد. عندما ثار سبارتاكوس ضد الامبراطورية الرومانية وكان أحد رعاياها، كسب جولات لكنه سقط بالضربة القاضية في لحظة قوة رومانية لايقف بوجهها أحد. ظن سبارتاكوس أن الأيام التي شعر فيها بما سمي بالحرية ستغير من قوانين الطبيعة، لكنه نسي أن القوي عندما يحرك قطاعات القوة الكبرى لديه يمكنه استئصال واجتثاث كل مانع أمامه. فرق كبير بين حلم اللحظة والحلم الدائم. التمرد على الدولة لحظة ضد العافية، اقتناص وقت من أجل شعور آني، لكن الحوارات بين المتمرد وبين نفسه في ساعات التجلي والوحدة تعرّفه على حقيقة الخطأ الذي ارتكبه والذي يمكن التراجع عنه كيلا يصير وقود قوة النظام عند قراره النهائي بالاجتثاث.
مسكينة الشعوب، حلمها كبير وعريض، بعض أفرادها هوائيون يتحولون الى أوراق بيد من يحركهم، فاذا بهم أمام أثمان لو كانوا متقدمين في العمر لما دفعوها. جميع التنظيمات المتمردة في العالم تعتمد على أعمار الفتيان والشباب الصغير.. تدللهم في البداية، وتفتح لهم منافذ جديدة في عقولهم، ثم تخضعهم لغسيل الدماغ، كي ترسلهم الى وعد يصدقه العقل الصغير الذي مسحته قناعات من تأليف خبراء سوف ينجحون دائما في مهمتهم طالما أن العقول التي لم ينبت فيها التجارب سوف تحقق لهم أهدافهم لحظة يريدون.
لهذا السبب لايحق للمتمردين إملاء أية شروط على دولة كانت تقدم لهم الراحة القصوى والاعتقاد الممكن والحرية النسبية طالما أن مفهوم الحرية الاكبر ليس متوافرا ولا في أي مكان في العالم ، وانه مشكوك كثيرا بأمر تلك الكلمة التي لم نجد لها توظيفا في قاموس الحياة سوى انها وهم يحبه الصغار، يتعلقون به، ينشدونه أغنيات حلوة، ثم يقعون فريسته لحظة اقتناص خبير ذكي.
عندما وقف متمرد أمام محقق ليسأله عما اقترفت يداه وهل يعتبر فعله كفرا فأجاب بالايجاب وبقولة نعم .. وحينما سأله المحقق لماذا إذن قتلت اجاب لأنهم اختاروني لهذه المهمة. فرد المحقق وعقلك اين كان؟ كان المحقق يعرف ان هذا الشاب الصغير تعرض لضغط عال سقط فيه السيطرة على كل تفكير.. ذلك هو حال التمرد على دولة تقدم لشعبها عصارة تعبها من أجلهم. قال لي أحد المسؤولين العرب ذات مرة ” لو تعرفون كم هي ساعات راحتنا لما تجرأ احد على استلام السلطة”.