لن تجدي دموع الندم التي ستذرفها كل القوي السياسية المتناحرة حاليا عندما تكتشف متأخرا جدا وبعد فوات الأوان انها دقت المسمار الاخير في نعش الثورة المباركة.
هؤلاء السياسيون والمثقفون المتخاصمون دائما أهدروا بوعي او دون وعي مكاسب الثورة, وأهانوا تضحيات الشهداء والمصابين وخذلونا جميعا. النخبة الغارقة الآن في مشاحنات بغيضة ومعارك تليفزيونية محمومة ستهدي في النهاية شاءت ام ابت نصرا سهلا لأحد ألد خصومها وهو اللواء عمر سليمان نائب مبارك والمرشح للرئاسة.
جاء ترشيح رئيس المخابرات السابق منسجما مع طبيعته الغامضة. ظل صامتا عاما كاملا بينما انهمك آخرون في إعداد كل شيء نيابة عنه. ولسليمان جنوده الاشداء فلم يكن وحده ابدا. هناك من تولي, ولا يزال, مهمة إعداد المسرح لظهوره. وإيجاد أجواء تهيئ الرأي العام نفسيا لقبوله بل للترحيب به. قالوا للبسطاء انه القادر علي إعادة الاستقرار والأمن المفقود عمدا مع سبق الإصرار والترصد.
جاء ترشيح الجنرال وسط استياء وملل بين المواطنين بسبب معارك لا تتوقف بين السياسيين. بدا الامر للمواطن الحائر وسط صراع الصفوة العبثي وكأن المجتمع قد انشق الي نصفين. الاول يضم الاخوان والسلفيين المتهمين بالرغبة في زالتكويشس علي السلطة والدستور. والآخر يجمع خصومهم من الليبراليين واليساريين الاقل شعبية والأعلي صوتا. وسط هذا الصراع, يستمر الوضع الاقتصادي كما الأمني في التدهور. وتظهر الحكومة عجزا فاضحا عن حل مشاكل المواطنين. مع انهيار شبه كامل للخدمات العامة دون مبرر مفهوم, ثم تهديدات خارجية أهمها التلويح الاسرائيلي بضرب قواعد لإطلاق الصواريخ في سيناء.
مع كل هذه الأخطار مقرونة بحالة من الفوضي الشاملة وعدم وضوح اي افق للخلاص, تتبلور بوضوح ملامح الرسالة التي يريدون إيصالها الي المواطن البسيط. انها باختصار الدعوة الي البحث عن المنقذ المنتظر للتخلص من هذه المحن كلها: مصر ايها المواطن المطحون بالفقر والخوف والغلاء تناشدك ان تحسن الاختيار هذه المرة, بعد ان خذلتك النخبة التي وثقت بها. وبعد ان خيبت آمالك الاحزاب, ولم يجلب لك من انتخبتهم الخير الذي وعدوك به. مصر ايها المصري المهموم بحاضره المضطرب ومستقبله المجهول, الخائف علي ابنائه عندما يغادرون صباحا الي مدارسهم, تحتاج الي رجل قوي ينتشلها من معاناتها. مصر تحتاج قائدا عسكريا صارما يعيد الأمن والاستقرار إلي ربوعها. رجل عركته الحياة وصهرته المحن. ومن لهذه المهمة سوي الفارس القادم الي الميدان في الدقائق الاخيرة.
هكذا جاء الإخراج الرسمي المعد بعناية وصبر طيلة عام كامل لتدشين عمر سليمان رئيسا محتملا. ولسليمان مؤيدون يدعمونه بصمت لا يقل عمقا عن صمته الشهير. المجلس العسكري اهمهم يسانده بقوة ولكن سيعلن دائما انه علي مسافة واحدة من كل المرشحين. امريكا التي اعتبرته دائما مرشحها المفضل لخلافة مبارك ستسانده مع التأكيد المعلن ان الانتخابات شأن داخلي يخص المصريين وحدهم. دول الخليج ستفعل نفس الامر وستظهر كرما كبيرا وسخاء حاتميا في دعم حملته وحملات غيره ايضا بطرق مباشرة وغير مباشرة مع ترديد شعار الحياد. هناك ايضا جوقة المهللين وتضم بعض الاحزاب الكرتونية وسياسيين استفادوا من النظام السابق, وتنظيمات لا نعرف كيف ولا متي ولدت. هؤلاء مهمتهم لا تقتصر علي الترويج للجنرال بحسبه الانسب لهذه المرحلة. ولكن الاخطر والأسوأ انهم سيسعون الي اعادة كتابة التاريخ ليقنعونا بأنه لم يكن يوما مسئولا عن اخطاء وخطايا مبارك. وانه كان احد الرافضين للتوريث والمعارضين لفساد الاسرة الحاكمة وحوارييها. سنسمع كلاما كثيرا علي ان سليمان كان رافضا بعنف للتعذيب الوحشي والاعتقالات والاستبداد, وانه كان يخوض حربا لا هوادة فيها ضد الفساد. المؤرخون الجدد سيقولون ان سليمان كان بالفعل حكيما مخلصا ولكن لم ينصت اليه أحد. لم ينطق إلا صوابا ولم يقل إلا الصدق, وحاشا لله ان يفعل غير ذلك. ولا تسل عن تاريخه فالرجل كان يؤدي واجبه ألم يقل انه ظل جنديا لا يعصي امرا.
لا ننصب محاكمة للرجل الذي نحترمه رغم ذلك. ولا نسعي لإصدار حكم عليه بالبراءة او الإدانة فليس من حقنا ان نفعل. ولكن نطالبه بان يخرج عن صمته الطويل وان يجيب علي كل التساؤلات حول دوره طيلة العقدين الماضيين, وما هو نظام الحكم الذي يبشرنا به. هل يختلف عن ذلك الذي حكمنا به مبارك وكان هو شريكا فيه. هل نستحق الديمقراطية التي اعتبر يوما اننا غير مؤهلين لها. اخيرا ما رأيه في الثورة ان كان يعترف بان ما جري في مصر هو ثورة فعلا!.