أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في JO1R FORUM | منتديات شباب و صبايا الأردن، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .

فن المقاربة والمباعدة

كتب: فهد الريماوي/ كل من يقترب مني يغتني ثم يهجرني،(الشاعر ريلكه) الاقتراب من الآخرين، والابتعاد عنهم، ثنائية اجتماعية دقيقة للغاية، بل لعلها معادلة



07-04-2012 04:11 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 22-12-2011
رقم العضوية : 48,213
المشاركات : 8,783
الجنس :
قوة السمعة : 429,526,866
fahednكتب: فهد الريماوي/

كل من يقترب مني يغتني ثم يهجرني،(الشاعر ريلكه)

الاقتراب من الآخرين، والابتعاد عنهم، ثنائية اجتماعية دقيقة للغاية، بل لعلها معادلة صعبة تتطلب الكثير من الفطنة والحذر واللياقة وحسن التصرف والمفاضلة والتقدير، نظراً لما لها من تأثيرات مباشرة وانعكاسات يومية على حياة الناس·

كيف تقترب من هذا الفرد او تبتعد عنه ؟؟ وكم هي المسافة التي تضعها بينك وبين القريب او الغريب ؟؟ وما هو المقياس الذي تعتمده في تحديد مسافة الاقتراب ودرجة الابتعاد ؟؟ وهل تمارس عملية الاقتراب والابتعاد بشكل تدريجي مدروس ام دفعة واحدة ؟؟

هذه الاسئلة وغيرها تكاد تكون مطروحة عملياً وتلقائياً على كل فرد اجتماعي، سواء طرحها على نفسه عبر عقله الواعي، او انطرحت عليه عفوياً بفعل العقل الباطن او اللاوعي الذي كثيراً ما يقود خطانا، ويحدد مسالكنا وتصرفاتنا، دون ان نقصد او ندري·

واذا كان بناء العلاقات الاجتماعية فناً عظيماً يقتضي التحلي بالذكاء والحنكة والخبرة، فلعل تحديد درجات المقاربة والمباعدة بين الناس، هو قمة هذا الفن الاجتماعي وارقى الوانه ومستوياته·· ذلك لانه الفن الذي ينظم الابعاد ويضبط المسافات بين الافراد والجماعات، فيحول دون الاقتراب الى حد الاحتكاك، ودون الابتعاد الى درجة القطيعة او حتى العداوة·

في غياب هذا الفن تضطرب العلاقات، وتتداخل الابعاد والمسافات، ويختفي “المايسترو” او “ضابط الايقاع” الذي يوجه الحركات والسكنات داخل التجمعات والمجتمعات، بل داخل الاسرة الواحدة، والدائرة الحميمة الضيقة، والرابطة الاهلية الخاصة، شأن رابطة القرابة او الصداقة او الزمالة او الجيرة او الشراكة في العمل الحزبي والرفاقي·

فكم من زواج انتهى الى الطلاق، ومن قرابة آلت الى القطيعة، ومن صداقة تحولت الى خصومة، ومن زمالة انحدرت الى درك المماحكة، ومن شراكة كان ختامها زفتاً وليس مسكاً·· كل ذلك جراء الخطأ في حسابات المقاربة والمباعدة، وكميات الشك والثقة، ودرجات الالفة والكلفة، ومتواليات الفعل ورد الفعل، ومعايير الانفتاح والانغلاق·· الخ·

ما اكثر حالات الحب والصداقة والقرابة والجوار التي ابتدأت هنية رضية، وتصاعدت بمرور الايام نحو المزيد من المودة والطمأنينة والثقة، ولكن اختلال ميزان التقارب والتباعد ما لبث ان اوهن وشائجها، واضعف روابطها، قبل ان يجهز عليها، اما بفعل الضيق والاختناق في حال التقارب حد التلاصق، او بتأثير الفتور والاهمال في حال التباعد والتدابر والجفاء·

ومن طريف ما يروى بهذا الصدد، ان مجموعة من القنافذ التي اشتد بها البرد ذات ليلة شتائية، قد حاولت التلاصق فيما بينها طلباً للدفء الجماعي، غير انها سرعان ما اضطرت للتباعد جراء وخز اشواك كل واحد منها في جسد جاره، الا ان شدة الزمهرير قد ارغمتها على التقارب مرة اخرى، ولكن ضمن قياسات جديدة تحقق لها الدفء من جهة، وتحول دون وخز اشواكها من جهة اخرى·· وهكذا فقد تقاربت دون ان تتلاصق، وتباعدت دون ان تتفارق·

لقد حفل التراث العربي بالكثير من الحكم والامثال المتعلقة بثنائية الاقتراب والابتعاد، فقد قيل : “شدة القرب حجاب”، بمعنى ان الاقتراب الشديد غالباً ما يحول دون الرؤية السليمة والحكم الصائب·· وقيل : “زر غباً تزدد حباً”، بمعنى ان الزيارات القصيرة والخفيفة الظل تؤدي الى زيادة الاشواق، وتوطيد اواصر المحبة·· كما قيل في الامثال الشعبية : “البعيد عن العين، بعيد عن القلب”، وهو ما يعني ان طول مسافة البعد والفراق كثيراً ما يقود الى الهجران والنسيان، وفي هذا المعنى قال الامام علي : “اياك والجفاء، فانه يفسد الاخاء”·

وعليه·· فليس امام الانسان المدني بطبعه، والاجتماعي بطبيعته، الا ان يجهد كل الجهد لتنظيم علاقاته مع الآخرين، وضبط عملية المقاربة والمباعدة بينه وبينهم بدقة، وهندستها بمهارة وفن وذكاء اجتماعي، وفقاً لقياسات ذاتية وموضوعية مناسبة من شأنها توفير ارقى حالات التوازن بين شقي هذه المعادلة، والحيلولة دون طغيان احدهما على الآخر·

لا جدال ان للسن والذهن والخبرة والتجربة والثقافة دوراً كبيراً في ترسيم حدود المباعدة والمقاربة، ووضع هذه الثنائية، التي تكاد تشكل امتحاناً عملياً ويومياً، ضمن شروط نجاحها وادامتها والارتياح اليها·· غير ان فن الفراسة يتقدم على كل ما عداه بخصوص ادارة هذه الثنائية التي تتطلب الكثير من الكفاءة والمهارة في قراءة نفوس الآخرين، واستكناه دخائلهم واعماقهم، واستكشاف اكبر قدر مما يجول في قلوبهم وعقولهم، قبل تحديد مسافات التقارب معهم والتباعد عنهم·

لقد تبوأ فن الفراسة والتوسم مكانة مرموقة في التاريخ العربي والانساني، نظراً لما له من اهمية كبيرة في كشف حقائق الاخرين وطبائعهم الخفية، واختيار نوع العلاقة معهم، واجتناب الكثير من غدرهم وخداعهم ومفاجآتهم·· ومن هنا جاء الحديث الشريف : “اتقوا فراسة المؤمن، لانه ينظر بعين الله”، فيما قال نابليون : “لا انتظر فعل الشرير لكي اعرف حقيقته، بل اقرؤها في لحظة، ومن اول نظرة”، اما الشاعر المتنبي فيقول ··

أُصادقُ نفسَ المرءِ من قبلِ جسمهِ

واعرفها من فعلهِ والتكلمِ

بالفراسة نستطيع الحكم بشكل تقريبي على الآخرين، والاقبال عليهم او الادبار عنهم، والتعاطي بمفردات الثقة او اللا ثقة معهم، وفتح مغاليق القلوب والصدور لهم او اقفالها دونهم، خاصة وان عالم اليوم مفعم بالمرائين والمزيفين والمخادعين الذين يعلنون خلاف ما يبطنون، ويقولون عكس ما يفعلون، ويدعون الصداقة والمودة والاخاء فيما يضمرون الحقد والضغينة والعداء، ويصح فيهم قول احد المخدوعين والمتشائمين : “حين يقول لك احدهم انه يحبك مثل اخيه، فتذكر ما فعله قابيل في اخيه هابيل”·

غير اننا نستطيع بالفراسة ايضاً، ان نكتشف الكثير من الشرفاء، ونصطفي العديد من الاصدقاء، ونسعد برفقة الطف واظرف الندماء، ونتقارب بكل امان واطمئنان مع كرام الناس والانقياء والعظماء الذين قال فيهم كوفتيز هاييم : “كلما اقتربت من العظيم، ظهر لك اعظم”·

اخيراً، ومهما تذبذب بندول المقاربة والمباعدة بيننا وبين الآخرين، فليس امامنا – اخلاقياً – سوى الالتزام باحكام دستور اجتماعي جميل، وضعه الامام الشافعي في قالب شعري بليغ يلخصه بيت واحد، ضمن قصيدة عصماء، يقول··

وعاشرْ بمعروفٍ وسامحْ مَن اعتدى

وفارقْ، ولكن بالتي هيَ احسنُ

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
جميع هواتف انفنكس بالترتيب و اسعارها omnia10
0 9 omnia10
جميع هواتف انفنكس بالترتيب و اسعارها omnia10
0 7 omnia10
فني صحي الكويت بأسعار ممتازة و ضمان علي قطع الغيار omnia10
0 8 omnia10
افضل فني تركيب ستائر بالكويت omnia10
0 9 omnia10
فني صحي الكويت بأسعار ممتازة و ضمان علي قطع الغيار omnia10
0 11 omnia10

الكلمات الدلالية
لا يوجد كلمات دلالية ..









الساعة الآن 12:15 PM