ابراهيم عيسى
كتب: ابراهيم عيسى/
هى ليست جماعته، أو بالأحرى تبتعد كثيرا عن أن تكون جماعة حسن البنا.
جماعة الإخوان المسلمين ربما صارت جماعة عبد الرحمن السندى (مؤسس وقائد التنظيم السرى العسكرى الخاص داخل الجماعة، الذى تخصص فى الاغتيالات والتفجيرات والدعاية السوداء ضد خصوم الإخوان)، أو جماعة سيد قطب (المفكر الذى أسس لتكفير المجتمع واتهام المخالفين لرؤيته الإسلامية بالجاهلية والكفر). إنها بعدت وتبتعد عن كونها جماعة حسن البنا الخالصة، رغم التمسح به طبعا طول الوقت من الجميع!
ولكن لننتبه، لا شىء مما يحدث فى أو يصدر عن جماعة الإخوان المسلمين هذه الأيام إلا وقد فعله الإمام المؤسس حسن البنا.
هذا للحقيقة، فأنْ يتحاور خيرت الشاطر مع الأمريكان ومسؤوليهم فقد فعلها حسن البنا مع الإنجليز ومسؤوليهم والأوروبيين وحتى الأمريكان أيامها كذلك.. أنْ وعد البنا سياسيا وأخلف فقد حدث كثيرا.. أنْ استحوذت الجماعة وتنمرت وافتكرت نفسها ياما هنا وياما هناك، وأنها الأقوى والأكثر شعبية فتعالت واتنططت على القوى الأخرى فقد جرى هذا كله مع حسن البنا.
أنْ تحالفت الجماعة مع الزعيم مصطفى النحاس ثم قلبت عليه، ومع إسماعيل صدقى ثم شنت عليه الهجوم ومع محمود النقراشى ثم قتلته، كل هذا جرى من جماعة الإخوان فى عصر مؤسسها ومرشدها الأول.
إذن أين الاختلاف الذى يجعل هذه الجماعة قد ابتعدت كثيرا عن مؤسسها؟
إنه هناك فى عمق الجماعة وفى فكرها وفى منهجها العقَدِى وفى روحها الإسلامية، لقد كان البنا منفتحا مستنيرا، وصارت الجماعة مستغلقة فقهيا وسلفية وهابية، ستتصاعد وهابيتها أكثر مع وجود خيرت الشاطر. بل لعل كثيرين من الإخوان أنفسهم لا يعرفون أن حسن البنا كان أشعريًّا، والمذهب الأشعرى مغضوب عليه من السلفيين وينفرون منه ويخطِّئونه، بل ويحاربونه فى أقوالهم وخطبهم، فضلا عن أن كثيرا من أفراد وأعضاء الطرفين، الإخوان والسلفيين، لا يعرفونه أصلا (بالمناسبة الجامع الأزهر أشعرى المذهب رغم غزوات السلفيين والوهابيين له فى السنوات الأخيرة).
ثم إن الإمام حسن البنا كان رجلا متصوفا، بل على الطريقة الحامدية الشاذلية (نسبة إلى القطب العلامة أبو الحسن الشاذلى) وقد حثّ البنا أعضاء الجماعة على قراءة الأوراد التى سماها المأثورات، والتى هى فى مجملها مقتبسة من أوراد الشيخ زروق -الشاذلى- كما كان يقرأ للإخوان فى الكتائب من «إحياء علوم الدين» للغزالى ومن حِكَم ابن عطاء الله السكندرى.
أين الإخوان من هذا كله الآن؟ مش هنا خالص.
أحد أدلَّتى على ذلك هو ما كتبه الشيخ يوسف القرضاوى نفسه عن نفسه والإخوان فى الحلقة الرابعة من مذكراته بعنوان «الاستعفاء من العمل التنظيمى فى الإخوان»، وهو ما يكشف عن التغييرات والتحولات التى خرجت بجماعة الإخوان من فكر حسن البنا ومنهجه وروحه إلى الاستغلاق والتزمت والتسلف المتشدد المنسحب من العصر. كتب الشيخ القرضاوى يقول نصا: «… فقد بدأت تدخل على الإخوان أفكار جديدة، بعضها من التيار السلفى الذى يغلب على كثير من المنتمين إليه: التشدد والحرفية، حتى أطلقت عليهم لقب (الظاهرية الجدد). على عكس منهج شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، الذين يزعمون أنهم أئمتهم الذين يأخذون عنهم.
وأكثر الذين تأثروا بالتيار السلفى: الذين يعيشون فى السعودية والكويت، ويظهر ذلك فى الموقف من قضايا المرأة والتعددية السياسية والأقليات ونحوها.
وبعض الأفكار الأخرى رشحات من أفكار الشهيد سيد قطب، رحمه الله، فى كتبه: (معالم فى الطريق)، و(الظلال) فى أجزائه الأخيرة، وفى الطبعة الثانية من أجزائه الأولى، وفى كتبه التى ظهرت فى أواخر حياته، رحمه الله.
وهذه الأفكار تحمل بذور تكفير المجتمع، والعزلة الشعورية، والاستعلاء على الآخرين، ورفض الاجتهاد وتطوير الفقه، إلى آخر هذه الأفكار.
وكان المنهج التربوى الذى يوضع للإخوان يتضمن بعض هذه الأفكار وتلك، سلفية وقطبية، ولا سيما أن المكلفين بوضع المنهج كانوا فى فترة من الفترات هم إخوان الأردن، وهم متعلقون تعلقا شديدا بالأفكار القطبية.
لذلك لم تكن كتبى، أو كتب الشيخ الغزالى، أو محمد فتحى عثمان، وأمثال هؤلاء، مما يحسن أن يوضع فى صلب المنهج، لأنهم يعتبروننا (عقلانيين) ويسمّينا بعضهم (معتزِلة العصر).
وإن كانوا يدخلون فى بعض الأحيان عددا قليلا من كتبى، بعضها فى المنهج الأساسى، وبعضها فى منهج القراءة.
ولكن الذى كان يطمئننى حقا: أن جمهور الإخوان يشترون كتبى، ويتلهفون عليها بمجرد ظهورها من المطبعة، فهم قرروها على أنفسهم، وإن لم تقررها السلطة المختصة، وهذا فرق بين الشعبى والرسمى.
ومن عيوب هذا المنهج التربوى الرسمى الملزم للإخوان: أنه يوقعهم فى التناقض، المكشوف أحيانا، والمُقنَّع أحيانا أخرى…».
شفت؟ لقد تغيرت جماعة الإخوان إلى هذا الحد، فهى لا تقرر على أعضائها ولا تفضِّل لهم قراءة ودراسة كتب الشيخين الإخوانيين السابقين المنفتحين المستنيرين المجددين العلامتين الغزالى والقرضاوى!
فيه بعد كده…؟!