في أكثر من مناسبة، داخلية وخارجية، عبر جلالة الملك عن فخره بالطابع السلمي للحراك الشعبي الأردني الذي ترافق مع أجواء الربيع العربي. وفي كل مرة سئل فيها عن الأوضاع في الأردن، كان الملك يلفت انتباه محدثيه إلى أنه وبعد مرور أكثر من عام على الحراك، لم ترق قطرة دم واحدة في الشارع.إنها بالفعل ميزة كبيرة مقارنة مع شلالات الدم التي غمرت شوارع عربية، وأوضاع مضطربة لا نعرف نهاية لها في عواصم شهدت ثورات أطاحت بأربعة حكام عرب.
وقد وفرت هذه الميزة فرصة ثمينة للدولة للسير في عملية الإصلاح بطريقة سلسة وآمنة وغير مكلفة.
ولأن الفرصة هذه ما تزال في يدنا، وتدرك المعارضة قبل الموالاة ضرورة عدم التفريط فيها، يتساءل مراقبون بقلق: هل التصعيد الجاري حاليا ضد قوى الحراك الشعبي انقلاب على المعادلة التي حكمت علاقة الدولة بالشارع، أم أنه مجرد ردة فعل انفعالية على تجاوزات محدودة في الشارع؟بواعث القلق عديدة، ولعل أهمها اعتقالات الطفيلة والدوار الرابع، وما رافقها من أساليب غير مسبوقة في التعامل مع المعتقلين، وبموازاتها حالة الاحتقان والغضب التي سادت أوساط قطاعات شبابية بعد الشهادات التي سمعوها من معتقلي سجن الموقر، رغم نفي الأمن العام لها جملة وتفصيلا!وعلى المستوى السياسي، هناك قلق من حالة الاستعصاء التي تعيق التوصل إلى قانون انتخاب يحظى بحد مقبول من التوافق الوطني، مردها في رأي المراقبين الخلافات القائمة بين مراكز القرار حول الصيغة النهائية للنظام الانتخابي.في المحصلة، هناك انطباع بأن المناخ السياسي يمر بانتكاسة خطيرة، تهدد خطوات الإصلاح المقبلة.
هناك حاجة ماسة لكسب ثقة الشارع بالانتخابات المقبلة، لكن كيف نفسر اللجوء إلى القبضة الأمنية في وقت كان علينا أن نحتفل بإنجاز قانون الهيئة المستقلة، ونستعد لإعلان تشكيلها؟غدا ستشهد أكثر من محافظة مسيرات واعتصامات. وفي ظل استمرار اعتقال نشطاء الحراك –وزير الإعلام وعد بالإفراج عنهم اليوم- ليس من المستبعد أن ترتفع شعارات بسقف مرتفع، وسيكون أمرا سيئا بلا شك، لكن ما العمل عندها؟ هل تواصل الأجهزة الأمنية عمليات الاعتقال؟ وماذا بعد؟ أشك أن أحدا يعرف الخطوة التالية.
حينها يكون من الصعب تدارك الانزلاق إلى الحل الأمني بكل تبعاته المعروفة.نحتاج إلى وقفة سريعة وجادة لمراجعة السياسات والإجراءات، وتطمين الشارع القلق بأن ما حصل مجرد سحابة صيف، وأن الدولة لم تنقلب على خطابها. الحراك الشعبي مطالب هو الآخر بالالتزام بالخطاب الذي عهدناه لأكثر من عام، والتنصل من الأصوات التي تسعى إلى افتعال مواجهة مع الدولة، أو تلك التي تخطط عن عمد للانقلاب على المعادلة الدستورية للدولة الأردنية.
الغد