دأت قصة الطفيلة بسيطة،لكن سرعان ما كبرت،لان سوء الادارة المزمن لهذا الملف ادى الى كل هذه التداعيات المؤسفة.
قصة الطفيلة لها جذور قديمة،وهي قصة الفقر المدقع،وغياب التنمية،والعدالة،وشعور الناس بأنهم مدفونون خلف الخط الصحراوي،قصة الشعور بالتهميش والفقر والتغييب.
في أحد جوانب قصة الطفيلة،نقرأ الصبر النبيل للناس،وايمانهم بالدولة والمؤسسة العامة،ايماناً لا حدود له،وفي جانب آخر اكتشاف اهل الطفيلة ان بعض نخب الطفيلة والجنوب،وبعض نخب عمّان،تاجرت على ظهورهم وتكسبت،وتركتهم أسارى لأحوالهم.
من الطبيعي اذاً ان تخرج الحراكات من الطفيلة،خصوصاً،ان اهل الجنوب عموماً لديهم سمة اجتماعية بارزة ولها جذور تاريخية ايضاً تتعلق برفض الظلم،وعدم الاستكانة للظروف،وهذه طبيعة متوارثة،وليست وليدة ساعة من ساعات الربيع العربي.
من هذا المشهد نذهب باتجاه الدوار الرابع،ونقرأ ما حدث على الدوار من عدة زوايا،فالذين قدموا هتفوا من اجل اطلاق سراح مجموعة من ابناء الطفيلة،تم اعتقالهم في وقت سابق،وبينهم المناضل،وبينهم من ليس له علاقة بالعمل السياسي اصلا.
السياسة الامنية في البلد بقيت على الاغلب قائمة على فكرة سلمية الحراكات وشرعنتها،الى الدرجة التى يتم فيها تأمين الحماية للمسيرة، بل وتوزيع المرطبات في حالات على المتظاهرين.
باستثناء حوادث محدودة من “الداخلية” الى “المفرق” بقيت السياسة الامنية قائمة على الاستيعاب لآلاف المسيرات،لأن سياسة الدولة تقول ان من يخرجون هم في النهاية ابناء البلد،واغلبهم نواياهم طيبة،ولايريدون الاضرار ببلدهم،وشعاراتهم مقبولة.
عند الدوار الرابع عادت السياسة الامنية الى القبضة الفولاذية،والسبب في ذلك ليس ابناء الطفيلة،ولا الطفيلة،حتى لا تتم استثارة الناس بأسلوب مكشوف من هذه الزاوية،السبب نفر قليل جداً،رفع سقف شعاراته وكلامه،ونطق بما لا تقبله عاداتنا قبل القوانين.
ماهو مهم هنا عدة امور،أولها ودون وعظ أو إرشاد،ان يتنبه من في الحراكات الى “النفر” الذي يريد اختطاف الحراكات باتجاه تجريمها وتقديمها الى الرأي العام باعتبارها مأجورة،وباعتبارها ُمخرّبة ومنفلتة،وتريد هدم البلد،ودب الفوضى فيه.
هناك قوى مذعورة من فتح ملفات فسادها،وتريد التفجيرعبر دب الفوضى في البلد،وعبر اختراقات تتم لبعض الحراكات،وهذا مايجب التنبه له،حتى لا يكتشف بعض الذين في الحراكات انهم يخدمون بالوكالة طرفاً ثانياً لا يتوقعونه ابداً.
عقلنة الحراكات والشعارات امر ليس صعباً،وليس من مصلحة الحراكات،اساساً،ان تستعدي الناس،لأن هناك كثرة من الناس،تشعر بخوف بالغ من هذه الحراكات والى اين تأخذ البلد،وهذا حق للناس ايضا؟!.
الذين يطالبون في الحراكات بمزيد من الحريات،عليهم ان يتواضعوا ايضاً ويستمعوا الى رأي بقية الناس فيما يجري،فجميعنا نتفق على العناوين من محاربة الفساد الى غير ذلك،لكننا لا نقبل ان يتم الزج بالبلد والدولة في مذبحة التطاولات والفوضى العارمة.
لهذا كله،ومع مطالبتنا المستمرة بالافراج عن شباب الطفيلة،ومصالحة الطفيلة،وتنمية المحافظة،وحل كل هذه الاشكالات،فاننا في الوقت ذاته لا نقبل التجاوز في السقوف،فهذه ليست جرأة،وتؤشر فقط على سعي قلة لتفجير البلد من الداخل.
في هذه الجرأة خدمة جليلة لمن يريد تجريم اهل الطفيلة،ايضاً،ويستغل رفع الشعارات،للإساءة الى مدينة عزيزة واهلها المحترمين،وهكذا فمن يرفع السقف ويتجاوز الحدود،لا يخدم الطفيلة ولا البلد،بل يقدم ذريعة الى من يريد فرض الاحكام العرفية من جديد.
لان التجاوز في الاصول والعادات والتقاليد والقوانين،هو ماسمعناه من نفر محدود،فقد بات مؤسفاً ان تضطر الحراكات الى ان تعيد التأكيد على سلميتها،وعلى ان هذه التجاوزات لا تمثلها،وعلينا ان نتنبه الى المتربصين الذين يريدون سبباً لخنق الحراكات.
مع نقدنا للكلام الذي قيل عند الدوار الرابع، وهو كلام معيب في كل الحالات،لا ننسى في المقابل تقصير الحكومات تجاه الطفيلة،والمحافظات،ولا ننسى هذا الاستخفاف بمطالب الناس،ونعيد التأكيد على ان “كلمة السر” هي:مصالحة الطفيلة.
الطفيلة كأي مدينة اردنية،خزان الدم،لهذه الدولة،وهي ايضا لا تقبل ان تصير تقريراً سرياً تبرقه سفارة،وخبراً في نشرة تلفزيونية غربية يقول ان الاردن ينهار،ولا تقبل ان تذهب لتصبح تجارة جديدة،بعد ان دفعت ثمن التجارة القديمة باسمها من بعض نخبها.
للدولة نقول صالحوا الطفيلة واهلها واطلقوا سراح المعتقلين،لانهم يبقون ابناء الطفيلة،ويعزون على اهلها،مهما قيل فيهم،ومهما قيل حولهم،فالابن يعز على عائلته،ايا كانت تقييمات موقفه،ولنطوي هذا الملف،بكل تفاصيله.
ولحراك الطفيلة نقول لا تكونوا سببا في تجريم الحراكات،ولا تسمحوا لعدد قليل ان يسيء اليكم تحت يافطة الدفاع عنكم،وعليكم ان تتنبهوا الى اللعبة التي تجري باسمكم،لان هناك من يريد تقديم قصة الطفيلة كنموذج تؤسس عليه قرارات لا نريدها.