تقول إحدى المطالعات الحديثة حول الحراك العربي إن المشكلة تكمن في عمليات الكبت الاجتماعي، والجنسي، والاقتصادي، والمالي، والثقافي … ومهما فصلنا في النتيجة تبقى تلك المشكلة من قاد جموع الشباب الى الميادين ومن ثم الى حمل السلاح في بعض المدن. الذين حملوا السلاح هم المشكلة الأصعب، ليس لأنهم اتخذوا أقصى التطرف والتعبير الاجرامي، بل لأنهم اقتنصوا فرصة كل عوامل الكبت دفعة واحدة. ومن حمل السلاح فهو لن يرميه بسهولة، تعلمنا عدم التخلي عنه مهما كانت الأسباب وحتى للقائد العسكري. ومن حمله فهو قد ذاب فيه وانصهر به ويحتاج لإعادة تأهيل اجتماعي كي يتمكن من العودة الى روح المدنية التي خسرها، والى الروح الاجتماعية التي تجاوزها.
كان إذن ثأرا من مجموع الأحاسيس تلك، لم يأبه أحدهم للموت لأنه على علم به قبل أن يحمل سلاحه .. ومن لم يحمله لم يعد عنده للخوف أي معنى.. الحذر من الموت يوقع به، لكن ثمة من يريدون ميتة واعية في لحظة حصولها.. الوعي ضروري دائما لكنه بعض الأحيان يكون سلبيا. من يذهب الى عملية انتحارية لن يفكر بعقله، وإن فكر فلسوف يتردد، وإن تردد فلن ينفذ. المسألة كلها غسيل دماغ ومفاهيم تضبط عقل الفتى او الشاب الصغير.. تكون الأفكار في العقل الفتي مثل التنويم المغناطيسي، ينفذ وهو لا يعرف انه ينفذ لأنه اختار منذ البداية ألا يفكر إلا في لحظة الضغط على الزر.
الشباب الصغير إذن يقود المرحلة.. صحيح أن الكبار يقطفون النتائج، ويسيطرون في النهاية على لغة جسد الصغار، إلا أن عامل الوقود ضروري في حال الحراك الذي عرفناه وقد نعرفه مجددا لأن عامل الكبت يحتاج لتفريغ في اتجاهات مختلفة، وقد لايرتاح الصغار الا اذا فعلوها، هم لايفكرون بأجسادهم، الروح مصدر حراكهم، والذين يلعبون اقناعهم يعرفون أي القوى تؤثر عليهم.
لن يهدأ الصغار طالما أن الكبار قد لا يصلون الى أهدافهم في القبض على السلطة او الوصول اليها. التمتع بكرسيها حلم كثيرين، هي ليست هواية، انها عنصر القيادة المتوافرة في كل منا ولكل واحد طريقته في التعبير عنها أو ترجمتها. ذلك هو العالم كله من أقصاه إلى أقصاه وليس فقط عندنا نحن العرب، لكننا نحن نتمايز بأننا نعيش مشكلة الكبت على حقيقتها حيث كله كبت كيفما جال البصر. لا خلاص إلا بالقضاء على تلك الشحنات الأصيلة في دم شبابنا الذي تعهدها وثمة من يغذيها من أجل مبتغاه.