مر عام ونيف على الحراك الشعبي في ربوع الأردن. ولفت الانتباه هو ثبات الشعب الأردني، في ريفه ومدنه على الوصول الى حقوقه المشروعة بأقل الخسائر وبطريقة ديمقراطية وحضارية وتتسم بالرقي والمسؤولية، إفتقرت، وتفتقر، اليها كل حركات الربيع العربي سواء التي شهدناها أم التي ما زالت في حالات مخاضها وعسرتها. لفت أكثر، هذا السقف المرتفع الذي لا حدود له، لشعارات هذا الحراك، الذي يعبر عن آنات وآهات وأوجاع الشعب الأردني بكافة أطيافه وشرائحه.
لكن ما لفت الانتباه أكثر، هو التجاوب الإيجابي من لدن القيادة الأردنية واستقبالها لهذا الحراك بالروح الأبوية حيناً، والأخوية حيناً اخر والإنسانية في أحيانٍ كثيرة. بل وصلت حالة القيادة الأردنية وتحديداً جلالة الملك، ان يكون الى جانب الحراك ضد كثير من الممارسات، والتي يرى بأنها لا تلبي طموحات الحراك الشعبي الأردني، والتي لا أحد يستطيع ان يشير الى هذا الحراك بأنه خارج إطار العقد-العقيدي- بين الهاشميين والأردنيين.
يتفهم جلالته بأن الأصوات مهما علت حدة نبراتها ومطالبها، فإنها تعبر عن أوجاع مزمنة يحق للشعب التعبير عنها بما شاء دون المساس بثوابت الوطن. وهذا يذكرني بالأحنف بن قيس حينما جاء شاكياً ومعاتباً و»صارخاً» في وجه معاوية بن أبي سفيان، أمير المؤمنين ناقلاً حراك الشارع آنذاك إلى حاضرة الأمة، دمشق، وحينما ارتفع صوته وعلا في حضرة أمير المؤمنين وكاتب الوحي وحافظ القرآن، ابتسم معاوية واستوعب غضبه وأكرم وفادته، وحل مشاكله.
،وبعد انصرافه جاءت ابنته «رملة» لتعلم اباها فنون التعامل مع الرعية، وقد نسيت هذه الفتاة بأن معاوية من أدهى العرب فأجابها بحنكة القائد وسعة صدر المسؤول الذي يتقي الله في الأمانة التي اؤتمن عليها. « اي بنية إن هذا الرجل اذا غضب.. غضب معه مئة الف فارس، لا يعلمون لماذا غضب والله لو ان بيني وبين الرعية شعرة ما انقطعت… إذا شدوا أرخيت وإذا أرخوا شددت..». وهذه حكمة قريش ومنهم بنو هاشم. فلذلك، يحاول جلالة الملك جاداً وجاهداً، تفهم واحتواء الحراك، والتعامل معه ومع مخرجاته بكل إيجابية، ويستوعب طروحاته، ويتجاوز عما يحصل من هفوات، لأنه ببساطة حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الأعلم بأن هذا الحراك في االمحصلة النهائية سيكون هو المدافع عن العقد الشرعي بين الأردن وآل هاشم.
الحراك الشعبي الأردني، تجاوز عامه الأول بكل مسؤولية. كما أرى بأن التعامل الأمني في مجمله، وإن حصلت تجاوزات هنا او هناك، كان في غاية الحضارية والإنسانية. وقبل هذا وذاك نعتز بتفهم جلالة الملك لمطالب الحراك الشعبي المسؤول والمشروع، من أجل أردن واعد حر وسعيد.
Almajali74@yahoo.com